للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾.

هذا تفضيل للذاكرين بتقسيمهم إلى مقل لا يطلب بذكر الله إلا الدنيا، ومكثر يطلب به خيري الدارين، والمراد به الحث على الانتظام في سلك الفريق الثاني. أَي وبعض الناس يحبون العاجلة ويذرون الآخرة، فإذا دَعَوُا الله قدموا دنياهم، وطلبوا كثرة الأَموال والأولاد والثمرات، والجاه العريض، وهؤلاء لا نصيب لهم في نعيم الآخرة، لأنهم لم يطلبوها، ولم يعلموا لها.

٢٠١ - ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَ ةِ حَسَنَةً … ﴾ الآية.

أي وهناك البعض الآخر: يجمعون في دعائهم بين الدنيا والآخرة، ويعملون لكلتيهما، ويطلبون الوقاية من عذاب النار. فالحسنة في الدنيا: المال، والجاه، والولد، والسلطان. والحسنة في الآخرة: الجنة ثوابًا لما قدموا من طاعة، ورضوان من الله أكبر. وذهب بعض المفسرين إلى تفسير الحسنة في الدنيا: بالزوجة الصالحة وفي الآخرة بالحور العين، وعذاب النار بالمرأة السوء.

ومنهم من فسرهما: بالعلم والعبادة في الدنيا، والجنة في الآخرة، وكلها أَمثلة للحسنات المطلوبة.

وقد ذكرت الآيتان من يطلب الدنيا وحدها، ومن يطلبها مع الآخرة، ولم تذكر من يطلب الآخرة وحدها، لأن الآخرة لا تُنال إلا عن طريق الدينا، فهي مزرعة الآخرة. وهي نعم المطية إلى الجنة، والضرب في مناكبها - طلبًا للرزق - عبادة، لأَن به حياة النفس وقوتها، والإعانة على الطاعة.

والمؤمن القوي أَحب إلى الله من المؤْمن الضعيف. ولهذا يرى بعض العلماء أن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر ﴿وَلكُلٍّ دَرَجَاتٌ ممَّا عَملُوا﴾ (١).

﴿وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾: أي احفظنا من عذابها بالتوفيق للطاعة والتنفير من المعصية، ومغفرتها إذا وقعت.


(١) الأنعام: ١٣٢.