للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١٨٨ - ﴿قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨٨)﴾:

تهديد لهم بتفويضه أمرهم إلى الله، أي قال لهم: ربي أعلم بكم، وبما تقترفون من الكفر والمعاصي، وبما تسرون وتعلنون من قول وعمل، وبما تستحقون من العذاب فسينزله عليكم في وقته المقدر له لا محالة، أما أنا فرسول، وليس لي أمر العذاب الذي طلبتم أن ينزل بكم.

١٨٩ - ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾:

أي فلما أقاموا على تكذيب نبيهم شعيب وأَصروا على هذا التكذيب مرة بعد مرة جعل الله عقابهم من جنس اقترحوه بإسقاط الكسف من السماء عليهم.

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما عن ابن عباس أن الله - تعالى - بعث عليهم حرا شديدًا فأَخذ بأَنفاسهم فدخلوا أجواف البيوت فدخل عليهم فخرجوا منها هربا إلى البرية، فبعث الله عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس - وهي الظلة - فوجدوا لها بردًا ولذة، فنادى بعضهم بعضًا، حتى إذا اجتمعوا تحتها أسقط الله عليهم نارًا فأَكلتهم جميعا.

وكان هذا اليوم من أَشد أَيام الدنيا عذابا لما وقع فيه من الهول المذهل، والداهية التامة التي لا يقادَرُ قدرها، وفي إضافة العذاب إلى يوم الظلة دون نفس الظلة إيذان بأَن لهم عذابًا آخر غير عذاب الظلة، ترك بيانه تهويلًا لشأْنه.

١٩٠ - ﴿إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾:

أي إِن في هذه القصة وما سبقها من قصص الأنبياء السابقين لعظة وعبرة لمن له قلب واع، وفكر مستنير، وما كان أكثر قريش مؤمنين.

وقصة شعيب مع قومه هي آخر القصص السبع التي أوحيت للرسول لصرفه عن الحرص البالغ على إسلام قريش، وقطع رجائه بشأْنه لإعراضهم عن الحق واستمساكهم بالباطل، وإلى ذلك يشير مضمون ما مر في مطلع السورة الكريمة: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ. فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ فإن كل واحدة من هذه القصص ذكر مستقل متجدد النزول قد أتاهم من جهته - تعالى - بموجب رحمته الواسعة يدعوهم إلى ترك العناد