للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أدخلنا القرآن مثل ذلك الإِدخال، لكنهم لم يؤمنوا به، فقوله تعالى: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ على هذا الرأَى استئناف مسوق لبيان حالهم من أنهم لا يتأَثرون بأَمثال تلك الأُمور الداعية إلى الإيمان به، بل يستمرون على ما هم عليه حتى يعاينوا العذاب المكرِه لهم على الإيمان فجأَة من غير توقع وانتظار وهم لا يشعرون بإِتيانه.

وقريء: فتأَتيهم بالتاء، والمراد: فتأْتيهم الساعة، وأُضمرت لدلالة العذاب الواقع فيها عليهم، ولكثرة ما في القرآن من ذكرها.

وقال رجل للحسن وقد قرأَ (فتأْتيهم): يا أَبا سعيد إِنما يأَتيهم العذاب فانتهره وقال: إِنما الساعة تأتيهم بغتة. اهـ من تفسير القرطبي وغيره.

﴿فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ﴾: أَي فيتمنون حين يرون العذاب، التأْخيرَ والإمهالَ ليعملوا بطاعة الله تداركًا لما فاتهم تفريطًا وإِهمالًا فلا يجابون إلى ما أَملوه مما يملأَ نفوسهم حسرة وحزنًا، كما قال الله تعالى: ﴿وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ﴾. (١)

وهذه الآيات تصوير وتمثيل لحال مشركى مكة الذين ماتوا على الكفر قبل فتح مكة سنة ثمان من الهجرة.

﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾


(١) آية ٤٤ من سورة إبراهيم.