يدعو من اتبعه إلى التثبت والتروى والصدق ويحول بينه وبين شهوة الشهرة التي تطمس على قلبه وبصيرته، فلا يكترث بما فعل، ولا يبالى بما قال، ولا يستبين طريق الحق التي تدعوه إلى الإِقلاع عما تعوده من كل خلق قبيح، وأُسلوب ذميم، وإفراط وتفريط
﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾ من الأَفاعيل التي ذكروها في شعرهم، ورددوها في قصيدهم غير مكترثين بما يستتبعه صنيعهم من لوم وتقريع كما كانوا يحثون في قولهم على الكرم والجود والمواساة وإِغاثة الملهوف مع أَنهم من كل ذلك بَراء، يقولون بأَلسنتهم ما ليس في قلوبهم.
فكيف يتوهم أَن ينتظم الرسول في سلكهم وقد تنزهت ساحته عن أَن تحوم حوله شائبة الاتصاف بشيءٍ من الأُمور المذكورة، فقد كان معروفًا بمحاسن الصفات، وكريم الخلال، وحاز جميع الكمالات القدسية وفاز بجميع الملكات الإنسية، ولم يكن أَتباعه كأَتباعهم سفهاءَ ضالين، وإِنما هم هداة مرشدون، لهم في رسول الله أسوة حسنة.
روى ابن عباس أَن الآيات نزلت في شعراء المشركين: عبد الله بن الزِّبَعْرى، وهبيرة ابن أَبي وهب المخزومى، ومسافع بن عبد مناف، وأَبي غَزَّةَ الجمحى، وأُمية بن أَبي الصلت. قالوا: نحن نقول مثل قول محمَّد، وكانوا يهجونه، ويجتمع لهم الأعراب من قومهم يستمعون أَشعارهم وأَهاجيهم، وهم الغاوون.
والظاهر من السياق أَنها نزلت عامة شاملة لجميع شعراءٍ الكفار، ويدخل فيهم هؤلاءٍ الشعراءُ دخولًا أوليًّا.
ثم استثنى - سبحانه - بقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا … الآية) شعراء المؤمنين الذين كانوا يدعون إلى التوحيد ويثنون على الله - تعالى - ويحثون على امتثال أَوامره واجتناب نواهيه، وقد ابتغوا فيما آتاهم الدار الآخرة، ولم يُغْفلوا نصيبهم من الدنيا، وذكروا الله كثرًا، ولو وقع منهم في بعض الأَوقات هجو، وقع منهم بطريق الانتصار إِلى الحق، وبما حده الله ﷿ من غير ظلم أَو زيادة على ما قيل فيهم افتراءً وعدوانًا.
وقيل: المراد بالذين استثناهم الله ﷾ شعراء المؤمنين الذين كانوا ينافحون عن رسول الله ﷺ وَيُقَبِّحُون بهجائهم هُجَاةَ قريش، واستدل لذلك