في هذه الآية والتي بعدها بياَن لحال الكفرة ومآلهم بعد بيان أحوال المؤمنين وعاقبتهم.
ومعلوم أَن الشيطان هو الذي يزين القبائح والمعاصي لأصحابها فيقبلون عليها كما قال - تعالى - في سورة النحل: ﴿تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ الآية ٦٣.
وإسناد التزيين هنا إِلى الله تعالى مجاز عن تخليه عن معونتهم وتركهم لشياطينهم وغرائزهم الشريرة، التي تزين الكفر والمعاصي إِلى نفوسهم، بسبب إصرارهم على الكفر بالآخرة.
والمعنى: إِن الذين لا يؤمنون بالآخرة وما فيها من حساب وجزاءٍ، وظنوا أَن الحياة هي الحياة الدنيا فأَنصرفوا إليها، ولم ينفعهم نصح أَنبيائهم، فهؤلاءِ تخلينا عن معونتهم على الهدى، وتركناهم لشهواتهم وشياطينهم، لتزين لهم ما هم فيه، فهم في غيهم يتحيرون ويترددون، والعمى صفة البصر، والعمه صفة البصيرة، فبصيرتهم في ظلام الضلال، لا تدرك ما ينفعها ولا ما يضرها.
أي؛ أُولئك الذين كفروا بالآخرة وتركناهم في ضلالهم، قضينا عليهم بالعذاب السيء في الدنيا بالقتل والأَسر وغير ذلك من محن الحياة الدنيا، وهم في الآخرة هم الأشد خسرانًا منهم في الدنيا، حيث يخلدون في النار وبئس القرار، ولا توجد خسارة أَفدح من هذه الخسارة.
ويصح أَن تكون كلها في عذاب الآخرة، على معنى أَن لهم العذاب السئ فيها، وهم أَشد الناس خسارة حينئذ، لحرماَنهم من الثواب، واستمرارهم في العقاب، بخلاف عصاة المؤمنين.