للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

النار: نور الله ﷿ نادى الله موسى، وهو في النور - قال القرطبي - وتأويل ذلك: أَن موسى رأَى نورًا عظيمًا فظنه نارًا، وهذا لأَن الله - تعالى - ظهر لموسى بآياته وكلامه من النار، لا أَنه يتحيز في جهة، ومثله كمثل قوله - تعالى -: ﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ﴾ (١) فإنه لا يتحيز فيهما، ولكن يظهر في كل فعل فيعلم به الفاعل، وعلى هذا يكون ﴿بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾ بمعنى قُدِّسَ مَنْ فِي النار سلطانه وقدرته وكلامه: انتهى بتصرف يسير.

ثم نقل القرطبى عن سعيد بن جبير كلامًا يشبه كلام ابن عباس وابن كعب، إِذ قال: كانت النار بعينها فأَسمعه الله كلامه من ناحيتها، وأظهر له ربوبيته من جهتها، قال القرطبي: وهو كما روى أنه مكتوب في التوراة: (جاءَ الله من سيناءَ وأَشرف من ساعير، واستعلى من جبال فاران) (٢) فمجيئه من سيناء بَعْثُه موسى، وإِشرافه من ساعير بَعْثُه المسيح منها، واستعلاؤه من فاران بَعْثُهُ محمدًا وفاران (مكة) وسيأتى في القصص زيادة بيان في سماع الله كلامه موسى: انتهى بتصرف يسير.

وإليكم تفسير الآية على أَن منْ في النار ومَنْ حولها هو موسى والملائكة فما يلي:

فلما وصل موسى إِلى النار التي رآها وهو بجانب الطور، نودى نداءً إلهيًّا منبعثًا من الشجرة بأَنه بورك موسى الذي في بقعة النار، وبورك مَنْ حولها من الملائكة، وقيل لموسى: سبحان الله رب العالمين، تنزيهًا له - تعالى - عن أَنْ يشبهه شيءٌ من مخلوقاته، أَو يحيط به شيء من مصنوعاته فلا تكتنفه أرض ولا سماء، ولما وقف موسى مبهورًا متعجبًا من صدور الكلام عن النار، أَعلمه الله أَنه - سبحانه - هو المتكلم فقال:

٩ - ﴿يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾:

الضمير في "إنَّهُ" للشأْن، والعزيز الحكيم وصفان للفظ الجلالة، ممهدان لما أُريد إِظهاره على يد موسى من المعجزة.


(١) سورة الأَنعام، من الآية: ٣
(٢) جاء في كتاب (محمد نبى الإسلام في التوراة والإنجيل والقران) للمستشار محمَّد عزت الطهطاوى منقولا عن الإصحاح ٢٣ عدد ٢ من سفر التثنية على لسان موسى بلفظ: (جاء الرب من سيناء، وأشرف من ساعير، واستعلى من جبل فاران ومعه ألوف الأطهار، في يمينه سنة من نار، أحب الشعوب جميع الأطهار بيده) انظره وشرحه في ص ٩ من هذا الكتاب، والمقصود من عبارة (بيده سنة من نار) شريعة الجهاد. التي جاء بها رسوله المبعوث من جبال فاران، وهو محمد .