وقد عرض بعض المفسرين لذكر قصص عن طيور مختلفة فهم لغتها وأَصواتها، ولا تعدو هذه القصص أن تكون مجرد حكايات لم ترد عن الصادق المصدوق، فلهذا لم نذكرها هنا، التزاما بما التزمنا به من الاقتصار في التفسير على المعنى اللغوى أَو المأْثور عن رسول الله ﷺ أَو ما قاله السلف مما يتفق مع القواعد الشرعية والمعنى اللغوى، وحسبنا أن الله - تعالى - أطلق تعليم سليمان منطق الطير، وهذا يتناول فهمه للغته ومراداته منها على أوسع نطاق، هذا أَمر خص الله به نبيه سليمان، وليس من باب الفراسة ولا مجرد الذكاء، وإِنما هو بتعليم الله إياه ذلك، كما هو صريح الآية الكريمة ليكون ذلك من المعجزات التي أَيد الله بها رسالته.
ومعنى الآية: وقام سليمان بعد أَبيه مقامه في النبوة بوحى من الله، وفي الملك برضا أُمته، وقال تَحَدُّثًا بنعمة الله، وإِعظاما لقدرها، ودعوة للناس أن يصدقوه في نبوته بذكر المعجزة التي أَيده الله بها - قال -: يا أَيها الناس علمنا الله - تعالى - لغة الطير التي يتخاطب بها، وأُوتينا من كل شيء يحتاج إِليه الملك وتؤيد به النبوة، كتسخير الشياطين والريح، وغير ذلك من أُمور الدنيا والآخرة، إِن إيتاءَ العلم والإعطاء من كل شئٍ لهو الإحسان الواضح من الله رب العالمين، المقتضى لجزيل الشكر ممن أُنْعِم به عليه.
واعلم أن قولًا - تعالى -: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ إِما أَن يكون من كلام الله - تعالى - تعظيمًا للفضل الذي أَنعم به على داود وسليمان ﵉ وإِما أَن يكون حكايته لكلامهما على سبيل الشكر والاعتراف منهما بعظيم فضل الله عليهما، لا على سبيل الفخر والمباهاة، ومثل ذلك كمثل قوله ﷺ:"أنا سيد ولد آدم ولا فخر".