وإتيانه بسلطان مبين ليس من جملة المحلوف عليه، فقد حلف على عقابه بالتعذيب أو الذبح، أما قوله: أو ليأْتينى بسلطان مبين، فهو في قوة الاستثناء، فكأَنه قال: إلاَّ أَن يأْتينى بسلطان مبين فلا أُعذبه ولا أَذبحه؛ لأن سليمان لا يقسم على فعل الهدهد، قال الآلوسى: إن هذا الشق ليس مقسمًا عليه في الحقيقة، وإنما المقسم عليه الأَولان، وأُدخل هذا في سلكهما للتقابل، وهذا - كما في الكشف - نوع من التَّغْليب لطيف المسلك، ومآل كلامه ﵇: ليكونن أَحد الأُمور الثلاثة: على معنى: إن كان الإتيان بالسلطان لم يكن تعذيب ولا ذبح، وإن لم يكن كان أَحدهما، فأَوْفى الموضعين للترديد: انتهى كلام الآلوسى.
﴿سَبَإٍ﴾ قرأه الجمهور مصروفًا - أي: منونًا - على أنه اسم لِحيٍّ من الناس سموا باسم أبيهم سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ﴿مِنْ سَبَإٍ﴾ - بفتح الهمزة غير مصروف - على أنه اسم للقبيلة، ثم أُطلق على الإقليم أو البقعة التي يعيشون فيها بأَرض اليمن.
ومعنى الآية: فمكث الهدهد زمانًا غير بعيد خوفًا من سليمان ﵇ ثم عاد وقال لسليمان ﵇ مبينًا سبب تخلفه عن مكانه بين الطير: اطلعت على ما لم تطلع عليه أَنت ولا جنودك، وجئتك من سبأ بخبر حقيقى لا ريب فيه.
واختار الهدهد هذا الأُسلوب في ابتداءِ كلامه، لترغيبه في الإصغاءِ إلى اعتذاره، واستمالة قلبه نحو قبوله، فإن النفس يشتد إقبالها على تلقى ما لم تعلم، وتميل إلى قبول عذر من أَتاها به بعد غياب دون إذن.
وقال الإمام البيضاوى: وفي مخاطبته إياه بذلك تنبيه على أن في خلق الله - تعالى - من أَحاط علمًا بما لم يحط به، لتتحاقر إليه نفسه، ويتصاغر لديه علمه.
ويقول البيضاوى في سبب غياب الهدهد: روى أنه - عليه السملام - لما أَتم بناء بيت المقدس تجهز للحج، فوافى الحرم، وأَقام به ما شاء، ثم توجه إلى اليمن، فخرج من