هذه التفاصيل، جريًا على عادة القرآن من الاقتصار على الضرورى للعبرة، وترك ما هو بدهى، وللإيذان بكمال مسارعة الهدهد إلى تحقيق ما أمر به.
والمعنى الإجمالي: قالت الملكة لأشراف قومها، بعد أن أخذت الكتاب وقرأته، ورأت ما رأت من أمر الهدهد في دخوله وإلقائه الكتاب إليها وتنحيه، وغير ذلك مما يعرب عن عظمة مرسله، قالت: يا أيها الأشراف من قومي إنِّي ألقى إلي كتاب كريم في شرفه وشرف مرسله وعلو مكانه.
وفسر ابن عباس وغيره الكريم هنا بالمختوم، وهو معنى لغوى، فكرمُ الكتاب ختمه.
وفي شرح أدب الكاتب لابن المقفع يقال: أكرمت الكتاب فهو كريم، إذا ختمه وقال ابن المقفع:"من كتب إلى أخيه كتابًا، ولم يختمه فقد استخف به".
أي: إن هذا الكتاب من سليمان نبي الله، وإن مفتتحه ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ولم يسبق بها كتاب قبله، وإن مضمونه ألاَّ تعلوا على وائتونى خاضعين ولا تتكبروا وتتجبروا وتأْخذكم العزة بالإثم فتجنحُوا إلى العصيان والتمرد، أو ائتونى مسلمين، مؤمنين بدعوتى طائعين منقادين لرسالتى، ففي هذا أَمنكم، وأَمانكم، وسلامة دنياكم وسعادة آخرتكم.
وجاءَ الكلام في هذه الآية مؤكدًا (بإِنَّ) كما جاء مؤكدًا قبل ذلك بها في قوله: