ولم يكن السؤال: أهذا عرشك بغير كاف التشبيه، زيادة في إبهام أَمره عليها، ولم يصرح بالقائل لها لأَنه لا يتعلق بذكره غرض، ولأَن السؤال سؤال تعمية وتلبيس لا يجمل معه ذكر السائل، وكان جوابها: ﴿كَأَنَّهُ هُوَ﴾ غاية في دقة الفكر، وكمال رجاحة العقل، حيث لم تقطع بأَنه هو، أو ليس هو، فضلًا عمَّا فيه من مواءَمة ما في السؤال من الإبهام والإعجام.
وقوله تعالى: ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾: يحتمل أن يكون من كلام بلقيس على ما اختاره جمع من المفسرين، كأَنها استشعرت من سؤالها اختيارهم لها فأَجابت بما يفيد أنها أُوتيت قبل هذه المعجزة أو هذه الحالة العلم بكمال قدرة الله تعالى، وصدق نبوة سليمان بما شاهدت من أمر الهدهد، وما سمعت من أخبار رسلها، وكانت مؤمنة بهذه الرسالة منذ ذلك الوقت، وقيل: إن الكلام من قوله: ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ﴾ إلى قوله: ﴿مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ مقول على لسان سليمان وقومه، كأنهم لمَّا سمعوا جوابها: ﴿كَأَنَّهُ هُوَ﴾ استحسنوه، وقالوا: أصابت، وعلمت قدرة الله، وصحة نبوة سليمان وقد أوتينا العلم بذلك من قبلها وكُنَّا به مسلمين، كما قالوا ما تضمنته الآية التالية، والأول هو الظاهر.
أي: وصد بلقيس عن تعجيل إظهار إسلامها وتصديقها برسالة سليمان ما كانت تدين به من عبادة في الكفر، متأصلة في الوثنية، فلما حضرت إلى سليمان، وأمنت بطش قومها أَعلنت إسلامها، وأَظهرت ما كانت تضمره منذ ظهرت لها المعجزات.