للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولم يَجِدْ هؤلاءِ المجرمون ما يتذرعون به لإخراج آل لوط من ديارهم إلاَّ قولهم: ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ فهو تعليل لجريمة إخراجهم على وجه يتضمن الاستهزاءَ بهم كما قال ابن عباس، أي: إنهم قوم يتنزهون ويتبرأون ممَّا نأْتيه، ويعدونه سفهًا وقذًرا لا ينبغي اقترافه، قال قتادة: عابوهم - والله - بغير عَيْبٍ، بأنهم يتطهرون، وقيل: يتطهرون بمعنى يتكلَّفون الطهر من أَفعالنا رياءً وتظاهرًا فحسب.

ولتهوين أمر إخراجهم من القرية وما حولها أضافوها إليهم على طريق الخطاب للإشعار بأَن لهم السلطان فيها والتصرف في شأْنها، والتحكم في أَهلها من غير معارض يحول بينهم وبين ما يبتغون.

والظاهر أن هذا الجواب صدر عن قوم لوط بعد المرة الأخيرة من مرات مواعظ لوط التي أمرهم فيها بالطاعة ونهاهم بها عن المعصية، لا أَنه لم يصدر عنه وعنهم كلام آخر غيره.

٥٧ - ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ﴾:

أي: فأَنجينا لوطا وأهله، وهم ابنتاه ومن تبعه من المؤمنين، وقيل: لم يكن معه إلاَّ ابنتاه، كما قال تعالى: ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (١). أما امرأته فكانت من الهالكين كما قال - تعالى -: ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ أي: الباقين في العذاب لكفرها وموالاتها لمن ضل وغوى، كما قال - تعالى -: ﴿فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ﴾ (٢).

٥٨ - ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾:

أي: وأمطر الله - سبحانه - على هؤلاء الفاسقين مطر عذاب ونقمة فكان سيئًا لم يعهدوا له مثيلًا، فهو من حجارة قوية صلبة متتابعة النزول معْلَمة بسيما تتميز بها عن حجارة الأرض، كما قال تعالى -: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ﴾ (٣).


(١) الآية ٣٦ من سورة الذاريات.
(٢) الآيتان: ١٧٠، ١٧١ من سورة الشعراء.
(٣) من الآيتين: ٨٢، ٨٣ من سورة هود.