والمعنى: قل لهم - أيها النبي -: لا يعلم أحد ممن في السموات والأرض الغيب إلاّ الله فهو وحده الذي ثبت له علم الغيب على جهة اللزوم والاختصاص، وانتفى عمن سواه حتى الأنبياء.
ويؤيد ذلك ما أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وأحمد وجماعة من المحدثين من حديث مسروق عن عائشة ﵂ أنها قالت: من زعم أن محمدا ﷺ يخبر الناس بما يكون في غد، وفي بعض الروايات: يعلم ما في غدٍ فقد أعظم على الله الفِريَة، والله تعالى يقول: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ … ﴾ الآية.
وعلم الغيب المنفى عن غيره - جل وعلا - هو ما كان للشخص لذات في ثبوته له، وهذا مما لا يعقل كونه لأَحد من أهل السموات والأَرض، وما وقع لبعض الخواص من الإخبار ببعض الغيب فلا يقال: إنهم علموه بقدراتهم الذاتية، ومن قال ذلك كفر قطعا، وإنما يقال: أُظْهرُوا على الغيب وأُطْلِعُوا عليه، ويؤيده أن نسبة علم الغيب إلى غيره - تعالى - لم تجئ في القرآن الكريم، وإنما جاءَ الأظهار على الغيب لمن ارتضى - سبحانه - من رسول كما قال تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ (١).
أمَّا ظن الغيب بأمارات فهو ممكن لعباده فلا يكفَّر ولا يفَسَّق مدعيه، كما يحصل من علماء الفلك من الراصدين لحركات الرياح والشمس والقمر والكواكب، حين يخبرون بهبوب الرياح شديدة أو معتدلة، وبكسوف الشمس، وخسوف والقمر، وبنزول المطر وارتفاع درجة الحرارة أو اعتدالها أو نحو ذلك، فيقع الأمر كما قالوا، فليس ذلك من علم الغيب المنفي؛ لكونه بأَسباب وأمارات، فهو في واقعه ليس علمًا حقيقًّا بما سيحدث وإنما هو ظن وتخمين بأَمارات اقتضته، وقد تتخلف.
أما العراف الذي يتحدث عن المستقبل ادعاءً بأَنه على علم بالغيب كقوله لمن يستخبره عن مستقبله: ستكسب مبلغ كذا، أو ستتزوج فلانة، أو تفْقِد كذا في سفرك، أو نحو ذلك فهو كافر - كما قال القرطبى -.