للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٨٠ - ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾:

أي: إنك - أيها النبي - لا تستطيع هداية هؤلاءِ الكافرين إلى شيء ينفعهم لأَنهم كالموتى، حيث إنهم فقدوا الحس والعقل والإدراك فلا يَعُون شيئًا ممَّا يسمعون، ولا ينتفعون بما يتلى عليهم من القوارع والزواجر، شأْنهم في ذلك وهم أحياءٌ شأن الموتى في القبور الذين يستحيل عليك إسماعهم (١) أي شيءٍ ينفعهم، وذلك موجب لقطع الطمع في هدايتهم، وداع إلى تفويض الأَمر إلى الله والتوكل عليه.

وهم كالصم الذين فقدوا أَداة السمع يصيح بهم الداعى إلى الحق فلا يسمعون النداءَ مع أَنهم صحاح الحواس، ذلك لأَن شأْن الأَصم عدم السماع ولو كان الداعى أَمامه، وبمقابلة صماخه فكيف يكون حال هؤلاءِ الصم إذا ابتعدوا عن الداعى وتولوا عنه مدبرين؟ لا شك أن عدم سماعهم للدعاءِ يكون أشد وأقوى، فإنهم مع صممهم معرضون عن الداعى، وفي ذلك من التأكيد والمبالغة في عدم السماع لدعوة الحق ما فيه مما لا يخفى، وإطلاق الإسماع بعدم ذكر المسموع لبيان عدم سماعهم لشيءٍ من المسموعات.

٨١ - ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾:

أَي: ليس في وسعك خلق الإيمان في قلوبهم، وصرفهم عما هم فيه، وهدايتهم هداية موصلة إلى المطلوب؛ لأنهم كالعمى يضلون الطريق ولا يقدر أحد أن ينزع ذلك عنهم ويجعلهم مهديين بُصَراءَ إلاَّ الله تعالى.

﴿إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾: ما يجدى إسماعك إلاَّ مَنْ علم الله أنهم يؤمنون بآياته ويصدقون بها، وهم الذين ليسوا موتى ولا صمًّا ولا عميًا.


(١) قد احتجت عائشة بهذه الآية في إنكارها أن النبي أسمع موتى بدر، فنظرت إلى الأمر بقياس عقلى ووقفت مع هذه الآية.
وقد صح عن النبي أنه قال: ما أنتم بأسمع منهم. قال ابن عطية: فيشبه أن قصة بدر خرقة عادة لمحمد في أن الله رد إليهم إدراكا سمعوا به مقاله، ولولا إخبار الرسول بسماعهم لحملنا نداء إياهم على معنى التوبيخ لمن بقى من الكفرة وعلى معنى شفاء صدور المؤمنين. اهـ من تفسير القرطبي. ومن أراد الاستزادة فليرجع إليه وإلى غيرة في تفسير هذه الآية، والآية ٥٢ من سورة الروم.