للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُوِي أنها لما قالت له: {لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} كره ذلك، ولما قدم إليه الطعام امتنع مع شدة حاجته إليه وقال: إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بطلاع (١) الأرض ذهبا ولا نأخذ على المعروف ثمنا؛ فقال شعيب: هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا (٢).

هذا وإن كل من فعل معروفًا فأهدى بشيء لم يحرم أخذه.

٢٦ - {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}:

قالت إحدى ابنتي هذا الرجل (ولعلها هي التي استدعت موسى إلى أبيها والتي زوجها من موسى عليه السلام): يا أبت اتخذه أجيرًا لرعى الغنم والقيام على شئونها وحفظها، ورعايتها، إنه خير من تستأجره للقيام بهذه المهمة، وأداء هذا العمل لقوته وأمانته، وكلامها هذا كلام حكيم جامع لا يزاد عليه؛ لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان - أعني القوة والأمانة - في القائم بالعمل فقد فرغ بال صاحبه وتم مراده، وقد ساقته مساق المثل حيث قالت: {إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} بدلًا من أن تقول استأجره لقوته وأمانته.

وعن ابن عباس: أن شعيبا أحفظته الغيرة: أغضبته، فقال: وما علمك بقوته وأمانته؟ فذكرت له حمله حجر البئر ونزعه الدلو، وأنه صوَّب رأسه (٣) حين بلغته رسالته، وأمرها بالمشى خلفه. اهـ: بتصرف.

وروى ابن كثير والزمخشرى عن ابن مسعود قال: أفرس الناس ثلاثة: بنت شعيب حين قالت {إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}، وصاحب يوسف في قوله: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا}، وأبو بكر في عمر، أي: في اختياره عمر وترشيحه ليكون خليفة بعده.

وقدمت وصفه بالقوة مع أن أمانة الأجير لحفظ المال أهم في نظر المستأجر، لتقدُّم علمها بقوته على علمها بأمانته، أو ليكون وصفه بالأمانة بعده من باب الترقى من المهم إلى الأهم،


(١) طلاع الشيء - ككتاب -: ملؤه. اهـ: قاموس.
(٢) الكشاف بتصرف.
(٣) صوب رأسه: خفضها. اهـ: قاموس ص ٩٤ ج ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>