للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعبر بقوله: ﴿مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ﴾ مع أنها مفهومة من السياق - فالتبديل المعاقب عليه لا يكون إلا بعد الإتيان بها ومعرفتها - لإبراز بشاعة جريمة التبديل للنعم، بعد المعرفة اليقينية بصلاحها للمجتمع، ونفعها له. وذلك أبشع ألوان الضلال. ولهذا استحق مرتكبوه أشد أنواع العقاب.

٢١٢ - ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا … ﴾ الآية.

هذه الآية، تعليل للآية السابقة، فإن الذي دعاهم إلى تبديل نعمة الله كفرًا، ومقابلتها بالجحود - هو تعلقهم بزنية الحياة الدنيا الكاذبة، ومظاهرها الخادعة، واستجابتهم لشهوات نفوسهم، وحرصهم على حب الرياسة، وجمع الأموال. وفاتهم أن الآخرة خير لمن اتقى، وأن الباقيات الصالحات: خير عند الله ثوابًا، وخير مردّا.

والمعنى: جعلت الحياة الدنيا حسنة في قلوب الذين كفروا، فتهافتوا عليها تهافت الفراش على النار، وأعرضوا عن الإيمان بالله واليوم الآخر.

وفاعل التزيين - هو الله تعالى، لأنه خلق جمالًا كثيرًا، وزينة حسنة في دنيانا.

وما زين الله الدنيا، إلا ليختبر بها عباده، فاغتر بها الجاهلون، فكفروا أو استمروا على كفرهم، وأعرض عن مفاتنها ذوو الألباب، فاسيقنوا وآمنوا، أو ازدادوا إيمانًا على إيمانهم.

قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْ ضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (١)﴾.

ويجوز أن يكون التزيين من الشيطان، إذ يوسوس لهم الإخلاد إليها، وترك العمل للآخرة. على حد قوله تعالى:


(١) الكهف: ٧