استئناف بياني وقع جوابا لسؤال مقدر، كأنه قيل: فما قال أبوها بعد أن سمع كلامها؟
أي: قال شعيب ﵇ لموسى: إني أُريد أن أزوجك واحدة من ابنتي هاتين على أن يكون مهرها أن تعمل عندي أجيرا لرعي الغنم ثماني سنوات فإن أتممت عشرا في الخدمة والعمل فالإتمام من عندك لا ألزمك به، ولكن إذا فعلته فهو منك تفضل وتبرع، وما أريد أن أصعب الأمر عليك وأوقعك في مشقة بإلزام أطول الأجلين، ستجدني إن شاء الله من الصالحين المحسنين للمعاملة الموفين بالعهد.
وعلى النحو المتقدم وعد شعيب موسى المساهلة والمسامحة من نفسه، وأنه لا يشق عليه فيما استأجره له من رعي غنمه ولا يفعل نحوه ما يفعله المعاسرون مع من يعمل لهم من المناقشة في مراعاة الأوقات، والمضايقة في استيفاء الأعمال، وتكليف الرعاة أشغالا خارجة عن حد الشرط، وهكذا كان الأنبياء - عليه م السلام - آخذين بالأسمح في معاملات الناس، وفي الآية الكريمة السابقة جواز عَرْضِ الولى ابنته على الرجل الصالح، وهذه سنة حسنة، عرض صالح بني مدين كل صالح بني إسرائيل بنته، وعرض عمر بن الخطاب بنته حفصة على أبي بكر وعثمان، فلا بأس بعرض الرجل وليّته، والمرأة نفسها على الرجل الصالح اقتداء بالسلف الصالح.
كما تدل على أن للأب أن يزوج ابنته البكر البالغ من غير استئمار، وبه قال الشافعي ومالك. واحتجا بهذه الآية، وقال أبو حنيفة: إذا بلغت الصغيرة فلا يزوجها إلاَّ برضاها، أما الصغيرة البكر فيزوجها وليها بغير رضاها بلا خلاف، واستدل الشافعي بقوله: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴾ على أن النكاح موقوف على لفظ التزويج والإنكاح، وخالفه غيره.