للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿وَسَارَ بِأَهْلِهِ﴾ أي: مضى إلى مصر بأهله: وما كان معه من الزاد بإذن من شعيب قالوا: كان موسى قد اشتاق إلى بلاده وأهله فعزم على زيارتهم خفية من فرعون وقومه، قال ابن عطاء: لما أتم موسى أجل المحنة، ودنت أيام الزلفة، وظهرت أنوار النبوة سار بأهله ليشتركوا معه في لطائف صنع ربه.

ومعنى ﴿آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا﴾: أبصر من الجهة التي تلي الطور، لا من بعضه كما هو المتبادر، واصل الإيناس - على ما قيل -: الإحساس من الأُنس فيكون أعم من الإبصار.

وقال الزمخشرى: هو الإبصار البين الذي لا شبهة فيه، واستظهر بعضهم أن المبصر كان نورًا حقيقة إلاَّ أنه عبر عنه بالنار اعتبارًا لاعتقاد موسى، ولأن النار هي طلبته.

وقوله تعالى: ﴿قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا﴾ معناه: قال موسى لأهله حين آنس النار: أقيموا مكانكم، واثبتُوا، وفي البحر: أنه خرج بأهله وماله في فصل الشتاء، وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام، وامرأته حامل لا يدرى أليلا تضع أم نهارا، فسار في البرية لا يعرف طريقها، فألجأه السير إلى جانب الطور الغربي في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد، فأضل الطريق يوما حتى أدركه الليل، فأخذ امرأته الطلق، فقدح زنده فأصلد (١)، فنظر فإذا نار تلوح من بعد، فقال لأهله: امكثوا وأقيموا مكانكم إني أبصرت نارا سأقصدها ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ أي: رجاء أن أجد عندها من يرشدني إلى الطريق فآتيكم بخبر عنه، أو آتيكم بعود غليظ ملتهب بالنار تلتمسون به الدفء من شدة ما تعانون من البرد.


(١) أي: لم يخرج نارا.