للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: ولكنا خلفنا بين زمانك وزمان موسى قرونا وأممًا كثيرة تمادى وتباعد عليها الزمن، فتغيرت الشرائع، وتبدلت الأحكام، وعممت عليهم الأنباءُ، لا سيما ما كان منهم في آخر هذه الأزمان من الذين أنت فيهم، فاقتضت حكمته - تعالى - التشريع الجديد وقصَّ الأنباء على ما كانت عليه، فأوحينا إليك، وقصصنا عليك ما لم تكن شاهده ولا قريبا من زمانه، تصديقا لنبوتك وتحقيقا لرسالتك.

﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ أي: ما كنت مقيما في أهل مدين وقوم شعيب حتى يكون علمك بما تقصه وما تتلوه من آياتنا الناطقة بما كان لموسى معهم، وبما كان لهم معه عن طريق إقامتك فيهم تتسمع منهم، وتتعلم هذه الأخبار عنهم، ثم تتلوها عليهم ﴿وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾: ولكن ذلك بإرسالنا لك ووحينا إليك.

٤٦ - ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾:

المعنى: كما لم تكن بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر، ولم تكن ثاويا في أهل مدين، لم تكن كذلك ولم تحضر بجانب الطور وقت ندائنا موسى: إني أنا الله رب العالمين، واستنبائنا إياه، وإرسالنا إياه إلى فرعون. ﴿وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ أي: ولكن أرسلناك بالقرآن الكريم الناطق ذكر وغيره رحمة من ربك لقومك، وهداية لهم بما تدعوهم إليه من نبذ عبادة الأصنام إلى عبادة الله وحده، وتهذيب سلوكهم، وتقويم عوجهم حتى تطهير الأرض من فسادهم، وتنجلي عن بصائرهم غشاوات الجهل، وأدران الكدر والضلال، كما أرسلناك لتنذر قوما عربا وغير عرب طال عليهم أمد الجهل، وامتد بهم زمان الضلال، ما آتاهم من نذير من قبلك ينذرهم، ويخوفهم عواقب أمورهم.

قال العلامة ابن حجر في المنح المكية: من المقرر أن العرب لم يرسل إليهم رسول بعد إسماعيل وأن إسماعيل انتهت رسالته بموته.

ونزيد على ذلك: أن إسماعيل أرسل إلى العرب العاربة، أما العرب المستعربة التي نشأت بعد إسماعيل من ذريته، فلم يرسل إليهم سوى محمَّد ولذا قال الله - تعالى - في سورة يس: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُون﴾.