نزلت هذه الآية في غزوة الخندق، حين أصاب المسلمين ما أصابهم، وبلغت القلوب الحناجر.
وقيل: نزلت في غزوة أحد، لَمَّا قُتِل من المسلمين عددٌ كبير.
وقال عطاء: لما دخل رسول الله ﷺ وأصحابه المدينة، اشتد الضر عليهم، لأنهم خرجوا بغير مال، وتركوا ديارهم وأموالهم بيد المشركين، وآثروا رضا الله ورسوله ﷺ وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله، وأَسَرَّ قوم من الأغنياء النفاق، فأَنزل الله هذه الآية، تطييبًا لنفوس المؤمنين.
وكيف كان سبب النزول، فالمقصود من الآية هو: حث المؤمنين على التحمل والصبر، حينما يمتحنون بالشدائد، في سبيل دينهم. فلا يَعْبَأُون بما ينالهم - في أنفسهم وأموالهم - من الأذى، فإن الله عنده خير العوض.
والمراد بمثل الذين خلوا من قبلهم: ما نالهم من الشدائد والمحن في سبيل دينهم.
وفي ذلك روى البخاري وغيره: عن خَباب بن الأرت، قال:
شكونا إلى رسول الله ﷺ وهو متوسِّد بردةً في ظل الكعبة - ما لقينا من المشركين فقال:"إنَّ مَنْ كان قبلكم: كان أَحَدُهم يُوضَعُ المنشارُ على مَفْرِقِ رأسه، فيخلُصُ إلى قدميه: لا يصرفهُ ذلك عن دينه، ويُمشطُ بأمشاط الحديد ما بين لحمِهِ وعظمه: لا يصرفه ذلك عن دينه. ثم قال: "والله، لَيتِمَّنَّ هذا الأمرُ، حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاءَ إلى حضر موتَ: لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه. ولكنكم تستعجلون".
وأَداة الجزم ﴿لَمَّا﴾ تدل على نفي الماضي مع ترقب وقوعه في المستقبل، وهذا ليوطِّن المؤمنون أنفسهم، على احتمال ما ينتظرون أن يقاسوه من أهوال.
ومعنى الجملة على هذا: بل أَظننتم أنكم - لمجرد إيمانكم - تدخلون الجنة، دون أن تتعرضوا للمشقة والابتلاءِ، كما تعرض المؤمنون الأتقياء من الأُمم السابقة؟