ثم انتقلت من هذا إلى تهوين أمر المشركين والكافرين مهما بلغت قواهم، وظهر أمرهم، فإن هذا كله لا يلبث أن يزول، وينتهى بهم إلى أشد العقاب، ولا تنفعهم معبوداتهم؛ فهم كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.
ثم دعت الآيات إلى حسن المجادلة مع أهل الكتاب بالحكمة والموعظة الحسنة حسبما يرشد إلى ذلك الكتاب الكريم الذي أُنزل على النبي الأُمي الذي لم تسبق له قراءَة ولم يجلس إلى معلم: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾: وتأكدت هذه المعاني كلها بآيات بعد ذلك ترد شبههم، وتنعى عليهم استعجالهم العذاب الذي لن يفوتهم إن كان مقدرًا عليهم، وسيغشاهم من فوقهم، ومن تحت أرجلهم إذا حان حينه، وجاء أوانه.
ثم اتجهت الآيات في ختام السورة إلى دعوة المؤمنين إلى التماس عزتهم وقوتهم في أرض الله الواسعة، فستكون لهم العاقبة الحسنى في الدار الآخرة التي هي الحيوان لو كانوا يعقلون.
وبمقدار ما عابت الآيات أحوال الكافرين، وأنكرت عليهم تكذيبهم للحق حين جاءَهم، بشرت المجاهدين في سبيل الله بالهداية إلى سبيل الرشاد في الدارين: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وسميت السورة سورة العنكبوت لذكره فيها.
﷽
﴿الم (١)﴾
بدئت هذه السورة بسرد حروف من حروف المعجم كغيرها من كثير من السور، والكلام في ذلك مثل الكلام في نظائره من هذه الفواتح الكريمة السابقة، فارجع إلى مثله في أوائل القرآن إن شئت.
ومما تجدر الإشارة إليه أن السور التي بدئت بسرد حروف من المعجم أتبعت هذا الابتداء بالحديث عن القرآن الكريم بصور مختلفة، وأساليب متعددة، إلا ثلاث سور هذه إحداها