ظاهر الآية يفيد: أنهم سألوا عما ينفقونه من الأموال؟ وكانت الإجابة ببيان مصارفها، لأَنها أهم، فإن قيمة النفقة ومنزلتها المستتبعة للثواب، باعتبار هذه المصارف.
قال بعض العلماء: هذا من الأُسلوب الحكيم، الذي يقصد به توجيه السائل إلى ما كان ينبغي أن يسأل عنه. ويمكن أن يقال: إنه تعالى أجاب عن سؤَالهم بما يناسبه، وزاد عليه فائدة أخرى، هي بيان المصرف. فإن الإجابة عن سؤالهم: ﴿مَاذَا يُنفِقُونَ﴾ واردة إجمالًا في الآية الكريمة وهي: ﴿مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْر﴾:
فالخير: يتضمن ما كان حلالًا، كثيرًا كان أو قليلًا، إذ لا يسمى ما عداه خيرًا.
ومثل هذا مثل رجل يسأل طبيبه: هل يأكل العسل؟ فيجيبه الطبيب قائلًا: كُلْهُ مع الخل.
فالزيادة في الجواب - على ما يقتضيه السؤَال - مستحسنة. وتسمى أيضًا: أُسلوب حكيم.
على أننا لو نظرنا إلى سبب النزول الأول، لوجدناهم فيه يسألون الرسول أيضًا عن المصرف. ولم يذكر في الآية، للإيجاز في النظم: تعويلًا على الجواب، فتكون الآية جوابًا لأمرين مسئول عنهما.
وقد استفيد من الآية: أن ما ينفق من الخير: يعطي للوالدين، والأقارب الفقراء، ﴿وَالْيَتَامَى﴾: وهم من فقدوا آبائهم وكانوا فقراءَ. ﴿وَالْمَسَاكِينِ﴾: وهم من لا كسب لهم، أو لهم كسب لا يفي بحاجتهم. ﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾: وهو المنقطع في سفر، ولا يجد ما يكفيه.
ولم تتعرض الآية للسائلين لدخولهم في المساكين، كما أنها لم تتعرض للأقارب كذلك.
والأكثرون: على أن الآية في صدقة التطوع. وقيل: في الزكاة. واستدل بها من أباح صرفها للوالدين.
والأَول أَرجح، لعموم كلمة ﴿خَيْرٍ﴾، وخصوص الزكاة، وكونها مُقَدَّرة.