وإبراهيم ﵇ أول من هاجر من أرض الكفر كما قال الكلبي، وقال مقاتل: هاجر وهو ابن خمس وسبعين سنة، وقال حين ترك قومه مهاجرا: ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ أي: إلى الجهَة التي أمرني ربي بالهجرة إليها، أو من أجل ربي، حيث لا أُمنَعُ عبادته وإظهار دينه، وقيل المعنى: إنِّي مهاجر من خالفني من قومي متقربًا إلى ربي ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾: أي: الغالب على أمره الذي يمنعنى من أعدائى، ولا يأمر - لعظيم حكمته - إلاَّ بما فيه الخير والمصلحة.
أي: لما فارق قومه أقر الله عينه بولد صالح نبى وهو إسحاق، وبولَد ولَدٍ وهو يعقوب ولد إسحاق، وذلك في حياة جده، كانت هذه الهبة العظيمة التي لا يُقَادرُ قدرها حين أيس من الذرية من امرأته سارة وهي عجوز عقيم.
ولم يذكر هنا إسماعيل ﵇ لأنه ولد له قبل ذلك من أم شابة ولم تكن عجوزا عقيمًا، وفي هاجر، أما إسحاق فولد بعده من سارة العجوز العقيم، ومن ورائه يعقوب ابن إسحاق.
وقال الزمخشري: إن إسماعيل ذكر ضمنًا وتلويحًا بقوله: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ ولم يصرح به لشهرة أمره، وعلو قدره، هذا مع أن المخاطب به نبينا ﷺ وهو من أولاده وأعلم به: اهـ.
وقد خص الله - سبحانه - إبراهيم ﵇ بقوله: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ تكريمًا له؛ حيث إنه لم يبعث بعده نبي قط إلا من صلبه وقد أوتوا الكتب المنزلة، وهي التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، وآتاه - سبحانه - أجره في الدنيا بانتماء أهل الملل إليه، والثناء عليه، وإعطاء الولد والذرية الطيبة، واستمرار النبوة فيهم، والصلاة عليه إلى آخر الدهر، وسعة الرزق ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾: أي جمع الله له