وقيل: لو علموا أن عبادة الأوثان كاتخاذ بيت العنكبوت لما عبدوها، وقد جهَّلهم - سبحانه - في الاتخاذ، ثم زادهم - جل وعلا - تجهيلا بأنهم لا يعلمون هذا الجهل الذي لا يخفى على من له أدنى مسكة من عقل.
أي: قل لهم - أيها الرسول -: إن الله لا تخفى عليه خافية، فهو يعلم أي شيء يدعونه إلها من دونه فقد بلغ من الحقارة حدًا لا غاية له، وإنهم لفي جهل بيّن حيث تركوا عبادة الله - تعالى - وعبدوا غيره مع أنه شيء لا يعبأ به.
ويجوز أن يكون المعنى أن الله يعلم أنكم لستم (١) تدعون من دون الله شيئًا؛ لأن ما تدعوته لمزيد حقارته لا يصلح أن يسمى شيئًا.
﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾: أي الغالب الذي لا شريك له ﴿الْحَكِيمُ﴾ في ترك المعاجلة بالعقوبة، وهو تجهيل لهم وتقريع حيث عبدوا - من فرط الغباوة - جمادا لا علم له ولا قدرة وهو بالإضافة إلى العزيز القاهر القادر على كل شيء الحكيم البالغ في العلم، وإتقان العمل ما لا غاية وراءه - فهو بالنسبة إلى العزيز الحكيم - كالمعدوم البحت، وإن من هذا شأنه - جل وعلا - من الغلبة والحكمة قادر على مجازاتهم.
هذا المثل والأمثال الكثيرة التي ذكرها القرآن في سوره يضربها - سبحانه - للناس تقريبا لِفَهم ما ضُرِبت له، وإدراك معناه، وإظهارا للمعاني المستورة وتوضيحًا، وكان سفهاء قريش وجهلتهم يقولون: إن رب محمَّد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت، ويضحكون من ذلك، فلهذا قال - سبحانه -: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾: أي لا يعقل صحتها وحسنها ولا يفهم فائدتها إلا الراسخون في العلم المتدبرون للأشياء على ما ينبغي، روى محيي السنة في مسنده عن جابر أن النبي ﷺ تلا هذه الآية ﴿أتِلْكَ الْأَمْثَالُ﴾ … الآية، فقال:"العالم: من عقل عن الله - تعالى - فعمل بطاعته واجتنب سخطه".
(١) على أن (ما) نافية؛ أي: ما يدعون من دونه شيئا؛ لأن الآلهة لحقارتها ليست شيئًا موجودا.