أمر للرسول ﷺ بقراءة القرآن والمداومة عليها تقربًا إلى الله - تعالى - بتلاوته وتذكرا لما في تضاعيفه من المعاني، وتذكيرا للناس وحملا لهم على قراءته والعمل بما فيه من الأحكام ومحاسن الآداب، ومكارم الأخلاق. ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ الخطاب للنبي ﷺ وأمته، وإقامة الصلاة: أداؤها في وقتها بأركانها وجميع شروطها، ويراد بها الصلاة المكتوبة المؤداة بالجماعة، وهي الصلوات الخمس التي تكفر ما بينها من الذنوب كما قال ﵊:(أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهنَّ الخطايا) خرَّجه الترمذي من حديث أبي هريرة، وقال فذلك: حديث حسن صحيح.
ولما كان أمر الرسول ﵊ بالصلاة منتظمًا لأمر الأُمة بها علّل بقوله: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾: كأنه قيل: وصلِّ بهم لأن الصلاة تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، أي: أنها سبب للانتهاء عنهما، وذلك لتضمنها صنوف العبادة، والوقوف بين يدي الله في غاية الخضوع والتعظيم، كأنها تقول لمن يأتي بها: لا تفعل الفحشاء والمنكر ولا تعصي ربّاً هو أهل لما أتيت به من مناجاة له، وإقبال عليه، وكيف يليق بك أن تفعل ذلك وتعصيه ﷿ بما تكون به كالمتناقض في أفعاله. أهـ: بتصرف من الآلوسى.
ولا شك أن المصلى الصادق في مناجاته ينتهي بصلاته عن المعاصي صغيرها وكبيرها، وينعم برعاية الله ويفوز برضاه حيث خشع لها قلبه، ورغبت فيها نفسه، وظهرت على جوارحه هيبتها، حتى إذا قاربه الفتور أظلته صلاة أُخرى يترجع فيها إلى أفضل حاله.
وإذا كنا نرى كثيرا من المرتكبين للفحشاء والمنكر يصلون ولا ينتهون عن ذلك فهذا ليس ناشئًا عن الصلاة، بل عن غفلة المصلى عن حقوق الصلاة، فمن كانت صلاته دائرة حول الإجزاء لا خشوع فيها ولا تفكُّر ولا فضائل، فتلك تترك صاحبها من منزلته حيث كان، فإن كان في طريقه معاص تبعده من الله - تعالى - تركته يتمادى في بعده، بمعنى أنها لا تقربه