وقوله - تعالى -: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾: معناه؛ إلا الذين أفرطوا في ظلمكم، وجاوزوا الحدود في عنادكم، والاعتداء عليكم، ولم ينفع معهم الرفق، فليس عليكم حرج في استعمال الغلظة معهم، بحيث لا تصل إلى القتال؛ لأن السورة مكية نزلت قبل الإذن بقتال المشركين.
وقيل: إن معنى الآية: ولا تجادلوا الداخلين في الذمة المؤدين للجزية إلا بالتي هي أحسن إلاَّ الذين ظلموا فنبذوا الذمة، ومنعوا الجزية، فإن أولئك مجادلتهم بالسيف، وهذا الرأي قائم على أن الآية مدنية، فإن الحرب والجزية مما شرع بالمدينة، وكونها مدنية مخالف لما وقع عليه الإجماع من أن السورة مكية، إلا أن يقال: إنها مكية باعتبار معظمها.
وقوله - تعالى -: ﴿وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾: توجيه إلى أسلوب من أساليب المجادلة بالحسنى، والمعنى: جادلوهم بالتي هي أحسن وقولوا لهم: آمنا بالذي أُنزل علينا من القرآن، وبالذي أُنزل عليكم من التوراة والإنجيل، ولا تصدقوهم فيما يروونه من دينهم فقد يكونون كاذبين، ولا تكذبوهم فقد يكونون صادقين.
أخرج البخاري والنسائي وغيرهما عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرأون الكتاب بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإِسلام، فقال ﷺ" لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالذي أُنزل إلينا وأنزل إليكم".
وقوله - تعالى -: ﴿وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾: تتميم لقوله - تعالى -: ﴿آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ ومعناه: إلهنا وإلهكم واحد لا شريك له في ألوهيته، ونحن له وحده خاصة مطيعون، لا نطيع غيره، ولا ندين لسواه.
وفي هذا تعريض بهم لاتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا من دون الله.