كلها، فهي صائرة إليه لا إلى غيره، وليس لأحد سواه - جل وعلا - تصرف فيها بأمر أو نهي، أو ثواب أو عقاب - سبحانه - يجازي من أسلم وجهه إلى الله، وأخلص التفويض إليه، كما يجازي المجادل المماري فيه، يجازي كلاًّ بما يستحقه ويليق به: بمقتضى عدله وحكمته.
وفي قوله - تعالى -: ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ تمثيل حال المتوكل على الله المشتغل بالطاعة بحال من أراد أن يترقى إلى شاهق جبل فتمسك بأوثق عرى الحبل المتدلي منه، ليتيسر له تحقيق مراده.
والمعنى: ومن كفر من هؤلاء المشركين فلا تحزن على كفره، ولا يهمك أمره: فقد أبلغت وليس عيك إلا البلاغ، وما أضر بذلك إلا نفسه، فإن الله - تعالى - سينتقم منه ويعاقبه أشد عقاب، ولهذا قال: ﴿إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا﴾: أي إلينا لا إلى غيرنا رجوعهم بالبعث فنُعْلِمهم على وجه التبكيت والتقريع مما عملوا في الدنيا من الكفر والمعاصي، ونجازيهم بما يستحقون من العذاب والعقاب ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ أي: إن الله - تعالى - واسع العلم بحقيقة ما في القلوب وضمائرها، لا يخفى عليه سرها، كما لا تخفى عليه علانيتها، ولا يفوته شيء من الجزاء عليها.
أي: ننفعهم زمانًا، أو نفعًا قليلًا في دنياهم بأن نيسر أمورهم، ونوسع عليهم أرزاقهم، ثم نلجئهم إلى عذاب غليظ ثقيل يجمع إلى الإحراق بالنار الضغط والتضييق، مع إلزامهم ذللك العذاب الشديد إلزام المضطر الذي لا يقدر على الانفكاك مما أُلجئ إليه.
وعبر عن متاعهم في الدنيا بالقلة، لأن متاعها مهما توفر وتكاثر، وتعددت أنواعه وألوانه، وتطاولت أيامه فهو قليل جدًّا إذا قوبل بما عند الله، وما أعد للمتقين في دار الجزاء، وكل زائل قليل، وعُمُره وإن طال قصير.