للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد بين الزمخشري ذلك في كشافه، فقال:

نزلت في الخمر أربع آيات. نزلت بمكة: ﴿وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ (١)، فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال.

ثم إن عمر ومعاذًا ونفرًا من الصحابة، قالوا: يا رسول الله، أَفْتِنَا في الخمر، فإنها مذهبة للعقل، مسلبة للمال. فنزلت: ﴿فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ فشربها قوم، وتركها آخرون.

ثم دعا عبد الرحمن بن عوف ناسًا منهم فشربوا وسكروا، وأَمَّهم بعضهم، فقرأَ: "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ" بغير (لا) فنزلت: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى﴾ (٢) النساء. فقلَّ من يشربها.

ثم دعا عتبان بن مالك قومًا، فيهم سعد بن أبي وقاص إلى طعام وشراب، فلما سكروا افتخروا وتناشدوا، حتى أنشد سعدٌ شعرًا فيه هجاءُ الأنصار، فضربه أنصاري بلحي بعير فشجه، فشكا إلى رسول الله فقال عمر: "الَّلهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا" فنزلت: ﴿ … إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ … ﴾ إلى قوله: ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ (٣). فقال عمر انتهينا يا رب.

والمعنى: يسألك المسلمون يا محمد عن حكم تعاطي الخمر والميسر. قل: فيهما ضرر كبير، ومنافع للناس، وضررهما أكبر من نفعهما.

أما ضرر الخمر - من أي نوع اتخذت - فقد أثبته الطب بما لا يدع مجالًا للشك فيه، فإن تعاطي الخمر يؤدي إلى التهاب الكبد، وضعف المعدة، وضعف مقاومة الجسم للأمراض.

وقد ثبت من بحوث عديدة بالمستشفيات العامة: أن نسبة الوفيات - بين المدمنين ترتفع إلى خمسين في المائة، على حين لا تتجاوز نسبتها - في غير المدمنين - أربعًا وعشرين في المائة!!


(١) النحل: ٦٧
(٢) النساء: ٤٣
(٣) المائدة: ٩٠، ٩١