والمعنى: إنَّمَا يؤمن بآياتنا الذين إذا وعظوا بها أقبلوا عليها وتفهموا معانيها، من غير تردد ولا تسويف، وهَبَطُوا على وجوههم فوضُعوا جباههم على الأرض بحمد الله تعظيمًا لذاتِه العلية، وخوفًا من سطوته وعذابه، وشكرًا على ما رزقهم من نعمة الإِسلام، ونزهوه عما لا يليق به من الأمور التي من جملتها العجز عن البعث، وأثنوا عليه لنعمائه - جل وعلا - التي أجلُّها الهداية إليه عن طريق آياته، والتوفيق إلى الاهتداء، فخلطوا بذلك التسبيح بالتحميد، وهم في كل أحوالهم لا يستكبرون عن عبادته وإخلاص الإيمان له، والثناء عليه، لا كما يفعل من يصر مستكبرًا كأن لم يسمع الآيات.
أو: لا يستكبرون كما استكبر أهل مكة عن السجود، ويرى ابن عباس أن المعنى: خروا ركعًا، وهذا على مذهب من يرى الركوع عند قراءة السجدة. قاله المهدوي، وقال أبو حيان: هذه السجدة من عزائم سجود القرآن.
والتعرض لعنوان الربوبية بطريق الالتفات مع الإضافة إلى ضميرهم في قوله - جل ذكره -: ﴿وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ للإشعار بعلة التسبيح والتحميد، من حيث إنهم يفعلونها بملاحظة ربوبيته لهم.
أي: تتنحى وتتجنبُ جنوبهم الفُرُش ومواضع النوم؛ وهذا التعبير كناية عن ترك النوم وعدم الاستسلام له، ومثله قول عبد الله بن رواحة يصف النبي ﷺ:
نبيّ تجافى جنبُه عن فراشه … إذا استُثقِلتْ بالمشركين المضاجع
وفي المراد من تجافي الجنوب عن المضاجع أقوال، والمشهور أن المراد به: القيام لصلاة النفل ليلًا، قاله جمهور المفسرين، وهو قول مجاهد، والأوزاعي، ومالك بن أنس، والحسن بن أبي الحسن، وأبي العالية وغيرهم؛ لأن أفضل النفل ما كان في الأسحار، وفي الحث على قيام الليل أحاديث كثيرة، منها حديث معاذ بن جبل: أن النبي ﷺ قال له: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّةٌ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئُ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل" قال: ثم تلا: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ حتى بلغ: ﴿يَعْمَلُون﴾.