ونقسم لنذيقن الكافرين في الدنيا العذاب الأدنى وهو الأقل أو الأقرب، وذلك ما أصابهم من القتل والسَّبْي يوم بدر، كما روى عن عبد الله بن مسعود، وعن مجاهد: القتل والجوع، وأخرج ابن المنذر، وابن جرير عن ابن عباس أنه قال: هو مصائب الدنيا وأسقامها وبلاياها، وقال مقاتل: الجوع سبع سنين بمكة حتى أكلوا الجيف، وعن أبي عبيدة أنه فسره بعذاب القبر، وحكى عن مجاهد أيضًا.
لنذيقنهم هذا العذاب قبل أن يصلوا إلى العذاب الأكبر، وهو عذاب الآخرة الذي به يخلدون في النار لعلّ (١) من بقى من المعذبين بالعذاب الأدنى يتوبون عن الكفر بعد مشاهدتهم إياه، ويعودون إلى الإيمان.
وفي الآية لم يقل: الأصغر في مقابلة الأكبر، أو الأبعد في مقابلة الأدنى، لأن المقصود هنا: هو التخويف والتهديد، وذلك إنما يحصل بالقرب لا بالصغر، وبالكبر لا بالبعد، قاله النيسابورى.
بيان إجمالي لحال من قابل آيات الله - تعالى - بالإعراض عنها بعد بيان حال من قابلها بالسجود والتسبيح والتحميد.
والمعنى: لا أحد أظلم لنفسه ممن ذكره الله بآياته الواضحة النيرة التي ترشد إلى الصراط المستقيم، والفوز بالسعادة العظمى والنعيم المقيم، ثم كان منه بعد التذكير بها ما يستبعد عقلا وهو الإعراض عنها بترك التدبر فيها، وتناسيها كأن لم يسمعها، ولم يعلم عنها شيئًا، وتشير كلمة (ثمَّ) إلى الاستبعاد العقلي للإعراض عن الآيات مع وصفها بما ذكر من الأوصاف العظيمة، وختمت الآية بتهديد كل من اقترف الإجرام والأفعال المذمومة، حيث قال - سبحانه
(١) لعل للترجي الحاصل من المخاطبين كما فسرها بذلك سيبويه، وعن ابن عباس تفسيرها هنا: بكى، وكأن المراد: كي نعرضهم بذلك للتوبة.