وفي أَثناءِ هذا الخطر الداهم، نقضت قريظة عهدها مع النبي ﷺ فأَصبح المسلمون بين نار من فوقهم ونار من أَسفل منهم، وقد هرب المنافقون بأَعذارهم المكذوبة، فزاغت الأَبصار وبلغت القلوب الحناجر من الخوف، ومضى قريب من شهر دون حرب بين الفريقين سوى الرمى بالنبل والحجارة من وراءِ الخندق، إلا أَن فوارس من قريش منهم عمرو بن عَبْدِ وُدّ - وكان يعد بأَلف فارس - وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب، وهبيرة بن أبي وهب، ونوفل بن عبد الله، اقتحموا الخندق بخيولهم من مكان ضيق، فجالت خيولهم في السيخة بين الخندق وسلع، خرج علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - في نفر من المسلمين، وأَخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا منها، فأَقبلت الفرسان معهم، وقتل عليٌّ عَمْرَو بنَ عَبْدِ وُدّ في قصة مشهورة، فانهزمت خيله حتى اقتحمت هاربة من الخندق، وقتل مع عمرومنبه بن عثمان بن عبد الدار، ونوفل بن عبد العزى، قيل: إنه وجد في جوف الخندق، فجعل المسلمون يرمونه بالحجارة فقال لهم: أجمل من هذه ينزل بعضكم أُقاتله، فقتله الزبير بن العوام، وذكر ابن إسحاق أن عليًا طعنه في ترقوته حتى أَخرجها من مراقه فمات في الخندق، وبعث المشركون إلى رسول الله ﷺ يشترون جيفته بعشرة آلاف فقال:"هولكم؛ لا نأْكل ثمن الموتى".
وقد هيأ الله للمسلمين بعد ذلك أسباب النصر، فقد جاءَ نعيم بن مسعود الأَشجعي من غطفان - وهو صديق قريش واليهود - فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت وقومى لا يعلمون، فمرنى بأَمرك حتى أُساعدك، فقال ﷺ: أنت رجل واحد، وماذا عسى أن تفعل، ولكن خَذِّلْ عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة، فتوجه إلى بني قريظة الذين نقضوا عهدهم مع النبي ﷺ وقال لهم: أنتم تعرفون ودي لكم وخوفي عليكم، وإني محدثكم حديثًا فاكتموه عني، فوعدوه بكتمانه فقال: لقد رأيتم ما وقع لبني قينقاع والنضير من إجلائهم وأخذ أموالم وديارهم وأن قريشًا وغطفان ليسوا مثلكم، فهم إذا رأوا فرصة انتهزوها وإلا انصرفوا إلى بلادهم وأما أنتم فتساكنون الرجل (يريد الرسول) ولا طاقة لكم بحربه وحدكم، فأَرى أن لا تدخلوا هذه الحرب حتى تستيقنوا من قريش وغطفان أنهم لن يتركوكم ويذهبوا إلى بلادهم، بأَن تأْخذوا منهم رهائن سبعين شريفًا منهم، فاستحسنوا رأْيه، ثم توجه