إني لأُبصر قصر المدائن الأَبيض "ثم ضرب الثالثة وقال: "باسم الله "فقطع الحجر، وقال: "الله أَكبر. أُعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأُبصر باب صنعاءَ (١)"وقد تحقق كل ذلك، ولكن المنافقين لا يفقهون، فوصفوا هذا الوعد بالغرور.
وجاء في حديث آخر أَنه ﷺ كلما ضرب ضربة أضاءَت له مملكة من هذه الممالك.
والمعنى الإِجمالى للآية: واذكر - أَيها النبي وكل مؤْمن - حين يقول المنافقون ومرضى القلوب مكررين: ما وعدنا الله من النصر والاستيلاء على الممالك إلا وعدًا باطلًا لا سبيل إلى تحقيقه.
المراد بالطائفة هنا عبد الله بن أبي بن سلول وأَصحابه - كما قال السدى - وقيل: هم أَوس بن قيظي وأَصحابه بنو حارثة - كما قال يزيد بن رومان.
ويثرب هي المدينة، وسميت يثرب باسم رجل من العماليق نزلها من قبل - كما قاله السهيلي - ولها عدة أَسماءٍ، منها: طابة، وطيبة، وقد كره بعض العلماءِ إطلاق لفظ يثرب عليها؛ لحديث رواه أحمد بسنده عن البراءِ قال: قال رسول الله ﷺ: "من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله" تفرد به أحمد، وفي إسناده ضعف كما قال ابن كثير.
ومعنى قولهم: ﴿لا مُقَامَ لَكُمْ﴾: لا مكان لكم في أَرض المعركة تقيمون فيه، فأَنتم عرضة للفناءِ من الأَحزاب الكثيرة العدد والعُدَدِ، ويصح أن يكون المعنى: لا إقامة لكم، أي: لا يمكنكم الإقامة، أو لا ينبغي أَن تقيموا هنا والحال على ما ترون. أو: لا إقامة لكم في دين محمَّد، فارجعوا كفارا، وتحللوا بذلك من بيعتكم إياه وأسْلِمُوه.
ومعنى الآية: واذكر - أيها النبي وكل مؤمن - حين قال جماعة من المنافقين وضعفاءِ الإيمان لجنود المسلمين الذين خرجوا مع الرسول للدفاع عن المدينة: لا ينبغي أن تقيموا هنا على شفير الخندق في مواجهة الأَحزاب، فارجعوا إلى بيوتكم، يريدون
(١) ذكره القرطبى في آخر المسألة الثالثة من مسائل قوله - تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم … ﴾ الآية التاسعة من هذه السورة.