عن إثارة الفتن بين المسلمين لَيُحَرضَنَّ اللهُ رسوله عليهم ويغرينّه بهم حتى يضطرهم إلى الجلاء عن المدينة ويلجئهم إلى الخروج منها لإفسادهم؛ حتى لا يجتمع هؤلاءِ بكفرهم وضلالهم مع رسول الله ﷺ والمؤْمنين في بلد واحد إلَّا زمانا قليلًا يجمعون فيه متاعهم وشملهم، وكان هذا هو الجزاء الوفاق لطائفة من الناس لم ترع حرمة الجوار ولم تكن أَمينة على من يساكنونهم ويعاشرونهم، بل كانوا مصدر إزعاج وقلق.
أي: سَنَّ الله ذلك وشرعه شرعًا مؤكدًا في الأُمم الماضية والشعوب السابقة أن يشرد أو يقتل أُولئك الذين يسعون بالإِفساد بين سواهم، وذلك بإجلائهم عن أَوطانهم وقهرهم وإذلالهم وقتلهم أَينما وجدوهم على حالة الإفساد وإشاعة الفزع والخوف بين المؤمنين، فأَمر رسول الله ﷺ مع هؤلاء الضالين ليس بدعًا، بل هو سائر على نظام سابق حكيم، وقضاءٍ محكم، ولن تجد لقضاءِ الله وحكمته تغييرًا وتبديلًا، فلا يبدل الله سنته، ولا يستطيع أحد من خلقه تبديلها.
إذن فالحكم باقٍ كما كان في الأُمم السابقة من أَن المفسد يضرب على يديه ويؤْخذ بجريرته ويناله أَشد العقاب حتى يرتدع وينزجر غيره ممن تسول له نفسه أَن يحذو حذوه أو يسلك سبيله.
وذكر الألوسي في كتاب روح المعاني كلاما عن السدي قال: أَخرج ابن أَبي حاتم عنه أنه فيها: كان النفاق على ثلاثة أوجه: نفاق مثل نفاق عبد الله بن سلول ونظائره كانوا وجوهًا من وجوه الأَنصار فكانوا يستحيون أَن يأْتوا الزنى؛ يصونون بذلك أنفسهم وهم المذكورون في الآية، ونفاق الذين في قلوبهم مرض، وهم منافقون إن تيسر لهم الزنى