والمعنى: نساؤُكم موضع إنجاب الذرية لكم، فاتوهن من مكان الإنجاب، كيف شئتم: من الأمام أو من الخلف، أو نائمات على جنوبهن. ولا تعبأُوا بمقالة اليهود، مادمتم تأتونهن في مواضع الحمل، حيث أمركم الله تعالى.
وفسر ابن عباس: ﴿أَنَّى شِئْتُمْ﴾ بأي وقت شئتم من الليل أو النهار.
وسيأتي بيان ذلك.
وليس في الآية دليل على حل وطء الزوجة في دبرها، فإن إباحة إتيانها - كيف شاء الزوج - مقيدة بموضع الحرث، أي موضع إنجاب الذرية وهو القبل. كما أن سبب النزول الذي ذكرناه يدل على ذلك.
ولهذا حرم جمهور الفقهاء إتيان النساء في أدبارهن.
ومما يدل على ذلك: أن الله تعالى حرم إتيانهن في المحيض، لاستقذاره، فكيف يُباح إتيانهن في الأدبار وهي أشد قذارة من مكان المحيض وقت الحيض؟
أَخرج ابن جرير، وابن حاتم، عن سعيد بن جبير: قال: "بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - إذ أتاه رجل فقال: ألا تشفيني من آية الحيض؟ قال: بلى، فقرأ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ إلى ﴿فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾: فقال ابن عباس: من حيث جاء الدم، مِن ثَمَّ أُمِرْتَ أن تَأتِيَ، فقال: كيف بالآية، ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ فقال: ويحك، وفي الدبر من حرث؟ لو كان ما تقول حقًا، لكان المحيض منسوخًا، إذا شغل من هنا جئت من ههنا، ولكن أنى شئتم: من الليل والنهار".
وقد جاء التحريم نصًا عن رسول الله ﷺ.
روى أبو داود والنسائي قال رسول الله ﷺ:"مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا".
وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا" إلى غير ذلك من الأحاديث.