حتى تزول عن ذمته، وتخرج عن عهدته؛ لأَن الأَمانة كأَنها راكبة للمؤتمن عليها، وهو حاملها، أَلا تراهم يقولون: ركبته الديون، ولي عليه حق، فإذا أَداها لم تبق راكبة له ولا هو حاملًا لها إلى أَن قال: فمعنى ﴿فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا﴾، ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾ فأبين إلاَّ أن يؤدينها، وأَبى الإنسان إلا أن يكون محتملا لها لا يؤَديها، ثم وصفه بالظلم لكونه تاركًا لأَداء الأَمانة، وبالجهل لإِخطائه ما يسعده مع تمكنه منه وهو أَداؤها. اهـ.
ورأْى الزمخشري هذا يلتقي مع ما قبله في أن كلا منهما يدين ويؤثِّم ويتوعد من يضيِّع الأَمانة ولا يقوم بحقها.
ولما كانت المعصية والطاعة سببا وعلة للجزاء قال تعالى: ﴿لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ أي: أن الله - سبحانه - يعذب المنافقين الذين يعبدون الله بجوارحهم، وقلوبهم غير مطمئنة بالإيمان، كما يعذب من يشرك بعبادة ربه أَحدا سواه، ويتوب ويغفر الهفوات واللمم من السيئات عن المؤْمنين والمؤْمنات تفضلا منه وجزاءَ انقيادهم وطاعتهم ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ والله - جل شأْنه - غفور لسيئات عباده رحيم بهم.