في العرب أن عمرو بن لحي مرَّ بقوم بالشام فرآهم يعبدون الأصنام، فسألهم، فقالوا له: هذه أرباب نتخذها على شكل الهياكل العلوية، فنستنصر بها ونستقى، فتبعهم، وأتى بصنم معه إلى الحجاز وسَوَّلَ للعرب عبادته فعبدوه. واستمرت عبادة الأصنام فيهم إلى أن جاء الإِسلام.
استئناف بياني: كأنه قيل: فماذا قال الملائكة حينئذ؟ فقيل: قالوا - منزهين الله - سبحانك تعاليت وتقدست عن أن يكون معك إله، أن الذي نواليه من دونهم، إذ لا موالاة بيننا وبينهم، فيبنوا بإثبات موالاة الله ومعاداة الكفار براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم؛ لأن من كان على هذه الصفة كانت حاله منافيةً لذلك، ثم أضربوا عن ذلك ونفوا أنهم عبدوهم حقيقة بقولهم: ﴿بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ﴾ أي: الشياطين - كما روى عن مجاهد - حيث كانوا يطيعونهم فيما يسولون لهم من عبادة غير الله، فهم خاضعون لتأثير الشياطين الذين زينوا لهم الشرك.
وقيل: صورت الشياطين لهم صورة قوم من الجن وقالوا: هذه صور الملائكة فاعبدوها فعبدوها، وقال ابن عطبة: في الأُمم السابقة من عَبَدَ الجن، وفي القرآن ما يشير إلى ذلك، قال - تعالى -: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ﴾ (١).
أي: فاليوم لا يملك بعض المعبودين لبعض العابدين نفعًا بالشفاعة، ولا ضرًّا بالعذاب؛ لأن الأمر في ذلك اليوم لله وحده، لا يملك فيه أحد منفعة ولا مضرة لأحد، فلا نافع ولا ضارَّ إلا وحدَه.