لم يحدث أن النبي ﷺ سألهم على تبليغ الرسالة أجرًا، قال - تعالى - أي سورة يوسف: ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ الآية (١٠٤). وهذه الآية من هذا القبيل، تنفي أوَّلًا نفيًا صريحًا أنه سألهم أجرًا، وتبين أن بالأجر لهم إن آمنوا، وتبين أن أجره أي تبليغ الدعوة من الله وليس منهم.
ومعنى الآية على هذا الوجه: قل - أيها الرسول - للمشركين من قومك: لم أسألكم علي إيمانكم برسالتي أجرًا فالأجر لكم (١) من الله حين تؤمنون، وما أجرى في تبليغ الحكم إليكم إلاَّ على الله وحده وهو على كل شيءٍ رقيب وحاضر، فلا يخفى عليه عملي وعملكم، وسيجزى كل امرئ حسب عمله ونيته.
ويقول الزمخشري أي تفسيرها: ﴿فَهُوَ لَكُمْ﴾ جزاءُ الشرط الذي هو قوله: ﴿مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ﴾ وتقديره: أي شيءٍ سألتكم من أجر فهو لكم، كقوله - تعالى -: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا … الآية﴾، وفيه معنيان:
(أحدهما): نفى سؤاله الأجر رأسًا، كما يقول الرجل لصاحبه: إن أعطيتنى شيئًا فخذه - وهو يعلم أنه لم يعطه شيئًا - ولكنه يريد به عدم الأخذ لتعليقه الأخذ علي ما لم يحدث وهو الإعطاء.
(والمعنى الثاني): أنه يريد بالأجر ما أراد في قوله - تعالى -: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾، وفي قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا
(١) ففي الآية من وجوه البلاغة (الاستخدام) وهو ذكر اللفظ بمعنى وإعادة الضمير عليه بمعنى آخر، فلفظ (الأجر) نفي أولًا أنه طلبه منهم، ثم أعاد الضمير عليه بمعنى أخر في قوله: (فهو لكم) وهو الأجر من الله، أي: فأجر الإيمان من الله لكم، ثم بين صراحة أن أجره علي الله بقوله: ﴿إن أجرى إلا على الله).