ومعنى الآية: الذين كفروا بسيرهم وراء الشيطان وقبولهم تغريره وخداعه لهم عذاب شديد لا يُقَادَر قَدرُهُ، والذين صدقوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات التي عرفوها من الكتاب والسنة لهم مغفرة لما عسى أن يحدث منهم من الذنوب ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ (١) ولهم مع ذلك أجر كبير، لإيثارهم طاعة الله على طاعة الشيطان.
لما بين الله في الآية السابقة مصير الكافرين الذين غرهم بالله الغرور، ومصير المؤمنين الذين أعرضوا عنه وأخلصوا لربهم، جاءت هذه الآية لتأكيد تفاوت الفريقين في الجزاء تبعًا لتفاوتهم في العمل، ولكي تخفف عن الرسول ﷺ أثر ابتعاد قومه عن دعوة الحق.
والمعنى: أهما متساويان في العمل حتى يتساويا في الجزاء؟ فمن زين له الشيطان عمله السئ فاعتقده حسنًا وانهمك أي الكفر والمعاصي، كمن استقبحه واجتنبه واختار الإِيمان والعمل الصالح؟ كلا لا يستويان، ليست مسئولا يا محمد عن ضلال هؤلاء الضالين، فإن الله يترك من يشاءُ في ضلاله الذي أراده لنفسه ويعاقبه عليه، ويُعين من يشاءُ على الهدى الذي اختاره لنفسه ويثيب عليه، لإعراضه عن الإصغاء إلى تزيين الشيطان، فلا تهلك نفسك تلهفًا على إيمانهم وحزنًا على كفرهم، إن الله عليم بما يصنعون فيجازيهم على كفرهم.
هذه الآية تشير إلى برهان كوني على استحقاق الله - تعالى - للعبادة وحده، كما تشير إلى خطأ الكفار بعبادتهم أوثانهم الله لا شأن لها في أرزاقهم، وكفرهم بالبعث والنشور مع قيام الدليل عليه بإحياء البلد الميت.