أَو كتاب ألَّفوه، أَو نبع أَجروه، أَو أَرض وقفوا غلتها على الفقراء والمعوزين، أَو غير ذلك من نواحي البر ووجوه الخير، كما نثبت آثارهم السيئة التي يبقى بعد موتهم شرها وضرها من القوانين الظالمة التي سنوها، والعادات القبيحة التي اعتادوها واعتادها الناس تبعًا لهم، والمظالم التي ارتكبوها، وغير ذلك من ضروب الشر، وأَلوان الفساد والمنكر.
أَخرح ابن أَبي حاتم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله ﷺ: "من سَنَّ سنة حسنة فله أَجْرُها وأَجرُ مَن عمل بها من بعده من غير أَن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن سنَّ سنةً سيئةً كان عليه وِزْرُها ووزر مَن عمل بها من بعده لا ينقص من أَوزارهم شيئًا، ثم تلا: ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾.
وفسر بعضهم الآثار بالخُطى إِلى المساجد، مستظهرين على ذلك مما أَخرجه عبد الرزاق وابن جرير، وابن المنذر، والترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدرى - قال: كان بنو سلمة في ناحية من المدينة فأَرادوا أَن ينتقلوا إِلى قرب المسجد فأَنزل الله - تعالى -: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾: فدعاهم رسول الله ﷺ فقال: "إنه يكتب آثاركم ثم تلا عليهم الآية فتركوا".
والأَظهر أَن تحمل الآثار على ما يعم الخطى إِلى المساجد، وغير ذلك من الأَعمال الصالحة والطالحة ويترجح ذلك بأمور:
١ - أَن الآية تذييل عام لكل ما سبقها من آيات.
٢ - أَن السورة مكية، واعتبار هذه الآية في بني سلمة يجعلها مدنية بين آيات السورة كلها.
٣ - أَن قصارى ما يفيده الخبر اعتبار الخطى إِلى المساجد من الآثار التي يبقى ثوابها بعد موت صاحبها، وتعميم ذلك خير من تخصيصه.
وقوله - تعالى -: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ معناه: وكل شيء من الأعمال كائنا ما كان قليلًا أَو كثيرًا، عظيمًا أَو صغيرًا، نافعًا أَو ضارًّا، بيناه وحفظناه في إمام مبين، وأَصل عظيم الشأْن مظهرًا لما كان وما سيكون، وهو اللوح المحفوظ الذي يؤْتم به ويقتدى، ويتبع ولا يخالف.