والمعنى: واجعل يا رسول الله أَصحاب قرية إِنطاكية مثلا لهؤُلاء المشركين، وطبق حال أُمتك وسلوكهم معك ومثِّلْه بحالهم من الغلو في الكفر، والإصرار على تكذيب الرسل، وما انتهى إِليه أَمرهم من الهلاك، طبق هذا وقِسْهُ حتى يدركوا عاقبة سوء فعلهم، ومآل كفرهم وعنادهم.
ومعنى ﴿إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ أَي: وقت أَن جاءَ أَهلها المرسلون الذين أَرسلهم الله تأييدًا لعيسى ﵇ يدعون إِلى توحيد الله، واختصاصه بالعبادة، وترك عبادة غيره.
وقوله - تعالى -: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ﴾: تفصيل للإجمال في قوله: ﴿إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾.
ومعنى ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا﴾ أَي: وقت أَن أرسلنا إليهم رسولين هما: "يحيى، وبولس" - على ما قيل - وقوله تعالى -: ﴿فَكَذَّبُوهُمَا﴾ يشير إِلى إيجاز في الأُسلوب مفاده: فأَتياهم فدعواهم إِلى الحق فكذبوهما فعززناهما وقويناهما برسول ثالث هو "شمعون" - على ما قيل - فقال ثلاثتهم لأَهل القرية: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ ندعوكم لعبادة الله دون غيره من الآلهة العاجزة التي لا تنفع ولا تضر، وجاء قولهم: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾: مؤكدا يناسب حالهم وتكذيبهم للرسولين الأَولين.
أَي: قال أَصحاب القرية إنكارًا لقول الرسل لهم: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾: ما أَنتم في أَية حال من أَحوالكم إلا بشر منا ومثلنا فأَنى لكم مزية موجبة لاختصاصكم بهذه الدعوة، والارتفاع إِلى مستوى القيادة علينا والدعوة لنا.
ثم يتدرجون في الإِنكار عليهم وتكذيبَهم بإِثبات البشرية لهم، فينكرون أَن يكون الله - تعالى - قد أَنزل شيئًا مما يدعونهم إِليه من الوحي والرسالة، ثم يترقون من ذلك إِلى تكذيبهم تكذيبًا مباشرًا صريحًا بقولهم: ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾ بأُسلوب يحصرهم في إطار الكذب والاختلاق، ويسجل عليهم التمادي فيه.