يقاسون فيه من العذاب لعظم ما شاهدوه، فكأن ذلك مرقدٌ بالنسبة لهم، فقد روى أنهم إذا عاينوا جهنم وشاهدوا ما فيها من ألوان العذاب وأنواع النكال الذي لا يخطر على بال، يرون ما كانوا فيه مثل النوم في جنبها فيقولون: من بعثنا من مرقدنا؟ فيأْتيهم جواب سؤالهم: هذا يومُ البعث الذي وعد الرحمن عباده وصدق المرسلون فيما أَخبروا به عنه، وروى عن ابن عباس: أَن الله - تعالى - يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإِذا بعثوا بالنفخة الثانية وشاهدوا الأهوال قالوا ذلك - ويقول ابن عباس: نقول، وهو - على ما قيل - جواب من قبل الله، وقيل: من جهة الملائكة، وقال قتادة ومجاهد: من قبل المؤمنين، وقال ابن زيد: هذا الجواب من قبل الكفار على أَنهم أَجابوا أَنفسهم حيث تذكروا ما سمعوه من المرسلين ﵈ أَو أَجاب بعضهم بعضا به، وكان الظاهر أَن يجابوا بذكر الباعث؛ لأَنه هو الذي سألوا عنه، بأَن يقال: الرحمن، أَو الله بعثكم، لكن عدل عنه إِلى ما ذكر تذكيرًا بكفرهم وتقريعا لهم عنه، مع تضمنه الإِشارة إِلى الباعث، وذكر غير واحد: أَنه من الأُسلوب الحكيم، على أَن المعنى: لا تسأَلوا عن الباعث فإن هذا البعث ليس كبعث النائم وإن ذلك ليس مما يهمكم الآن، وإنما الذي يهمكم أَن تسأَلوا: ما هذا البعث ذو الأَهوال العظيمة والشدائد؟ وفيه من تقريعهم ما فيه.
أَي: ما كانت النفخة التي حكيت آنفا لدعوتهم للخروج من قبورهم إلا صيحة واحدة حدثت من نفخ إسرافيل ﵇ في الصور فإِذا هم مجموعون عندنا، وفي محل حكمنا محضرون لفصل الحساب من غير لبث طرفة عين، وفيه من تهوين أَمر البعث والحشر والإِيذان باستغنائهما عن الأَسباب ما لا يخفى.
فاليوم الحاضر أَو المعهود وهو يوم القيامة الدال عليه نفخ الصور، لا تنقص نفس من النفوس - برَّةً كانت أَو فاجرة - أَجر شيء مما عملته، ولا تلقون إلا جزاءَ ما كنتم تعملون من خير وشر، وهذا حكاية عما يقال للكافرين حين يرون العذاب المعد لهم تحقيقا للحق وتقريعًا لهم.