والمعنى: هذه - التي ترونها - جهنم التي كنتم في الدنيا توعدون بها على ألسنة الرسل والمبلغين عنهم إن اتبعتم الشيطان فيما يزينه لكم من الكفر والمعاصي كقوله - تعالى -: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥)﴾.
الأفواه: جمع فوه، وهو الفم، والختم عليها كناية عن منعها من الكلام، وتوفيقًا بين هذه الآية وبين آية سورة النور ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (١) أن يوم القيامة مواقف، ففي موقف تخرس الألسنة، وفي آخر تتكلم.
أخرج أحمد ومسلم وابن أبي الدنيا واللفظ له أنس في قوله - تعالى -: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ﴾ قال: "كنا عند النبي ﷺ فضحك حتى بدت نواجذه، قال: أتدرون مم ضَحِكْتُ"؟ قلنا: لا يا رسول الله، قال: "من مخاطبةِ العبدِ ربَّه يقول: يا رب أَلم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى، فيقول: إني لا أُجيز عليَّ شاهدًا إلا شاهدًا مني، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا وبالكرام الكاتبين شهودًا، فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقي، فتنطق بأعماله، ثم يخلي بينه وبين الكلام فيقول: بُعْدًا لكُنَّ، فعنكن كنت أناضل، وشهادة الأَيدي والأرجل عليهم دلالتها على أفعالها، وظهور آثار معاصيها عليها، وقيل: ذلك على الحقيقة، بأن ينطقها الله فتتكلم وتشهد، وهذا هو ظاهر الآية والحديث.