المراد بالمسخ تغيير الصورة على أي وجه يشاؤه الله - تعالى - مع - إبطال القوى، لقوله بعد ذلك: ﴿فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُون﴾.
وتحديد المسخ بقلبهم قردة وخَنازير أو حجارة - كما جاء في بعض الآراء - يعتبر تضييقًا للواسع لم يرد به دليل صحيح.
والمعنى: ولو نشاء مسخهم بتغيير صورهم على أي وجه مع إبطال قواهم، لفعلنا ذلك فورًا بدون عناءٍ، بحيث يجمدون في أماكنهم، فلا يستطيعون بعد ما فعلناه بههم مضيًّا إلى الأمام إقبالا، ولا يرجعون إلى الخلف إدبارا، لكنه تعالى لم يفعل ذلك لعدم تعلق مشيئته به، توسعة لمجال التوبة أمامهم.
والمقصود الأساسي من الآيتين بيان استحقاقهم طمس الأعين والمسخ في الدنيا بسبب كفرهم ونقضهم عهد الله، وعدم اتعاظهم بعقاب من سبقهم، ولولا أنه تعالى شاءَ استبقاءَهم وإمهالهم رحمة بهم - لعلهم يرجعون - لأَنجز فيهم ما يستحقونه، وعبر بقوله:"ولا يرجعون" بدل "ولا رجوعًا" المناسب لقوله (مضيا) مراعاة لفواصل الآيات.
هذه الآية جاءَت للاستدلال بما تضمنته على قدرته - تعالى - على تنفيذ ما تهددهم به من الطمس والمسخ لو تعلقت بهما مشيئته.
واعلم أن من سنن الله - سبحانه - أَنه جعل الإنسان في نشأته ينمو جسميًّا وعقليا نموًّا مطردًا، وتزداد بذلك معالم صورته حسنًا، وقوته اقتدارًا، حتى يصل إلى حد أراده الله لتمام خلقه، فيبدأ كل شيء فيه يتناقص، حتى يذبل بعد تفتح وازدهار، ويضعف بعد قوة واقتدار، ويخمد عقله بعد اتقاد وإضاءة، وتتضاءَل صورته بعد حسن وجمال، فذلك هو تنكيسه الذي استفيد من قوله تعالى: ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ﴾.