للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومن هذا أيضًا ما جاءَ في سورة الشعراء حول تبكيبت قومه على عبادة من لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر، ثم يخلص من هذا إلى تعداد نعم الله - تعالى - عليه وعلى عباده، وفضله فيهم ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ … ﴾ (١). ثم تنتهي هذه الآيات بأَصدق دعاء وأخلص تضرع ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ في الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ … ﴾.

ثم تأْتي هذه السورة - سورة الصافات - فتوضح محنة الابتلاء وما كان من صِدق الأب في تنفيذ أمر الله، وما كان من طاعة الابن لأمر ربه، والرضا بالقضاء حتى تجلَّى عليهما بكشف البلاءِ، وإنزال الفداء.

هذا وقد جاء أُسلوب قصة إبراهيم مرتبطًا بقصة نوح لما قيل من أَن إبراهيم يعتبر آدم الثالث بالنسبة للأنبياء والمرسلين بعده لأَنهم من ذريته إلا لوطا، ومما يزيد في حسن هذا الارتباط اشتراكهما في المنحة ونجاتهما في المحنة: فنوح نجاه الله من الغرق، وإِبراهيم نجاه الله من الحرق.

ومعنى: ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (٨٣)﴾ وإن من شيعة نوح وأنصاره - الذين تابعوه في أُصول الدين، وسلامة العقيدة. وإخلاص التوحيد لله - لإبراهيم فقد اتفقت شريعتهما على توحيد الله، واختصاصه بالعبادة، وإن اختمت فروع شريعتيهما.

وقيل: شايعه في التصلب في الدين، ومصابرة المكذبين، ونقل هذا عن ابن عباس.

وليس في الكلام ما يمنع من اجتماع المعنيين معا.

وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾: توقيت وتوضيح للمشايعة، والمعنى: شايعه حين جاءَ ربَّهُ، أَي: أقبل على ربه الذي أحسنها خلقه وتربيته - جاءَه - بقلب سليم خالص من آفات القلوب نَقِيٍّ من العلائق الدنيوية الشاغلة عن العبادة، والتبتل لله تعالى.


(١) الآيات من ٦٩ - ٨٩ من سورة الشعراء.