للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في نفسه: أَمِنَ الله هذا الحلم أَم من الشيطان؟ فمن ثمة سُمِّي يوم التروية، فلما أَمسى رَأَى مثل ذلك فعرف أنه من الله. فمن ثمة سمى يوم عرفة، ثم رأى مثل ذلك في الليلة الثالثة فهم بنحر ولده فسمى اليوم يوم النحر.

واختلف العلماءُ في حقيقة الذبيح. هل هو إِسماعيل أَو إِسحق؟ والأَظهر الأَشهر أَن الذبيح المخاطب هو إِسماعيل إذ هو الذي وهب إثر المهاجرة؛ لأَن البشارة بإسحق بعده معطوفة على البشارة بهذا الغلام. ولقوله : "أَنا ابن الذبيحين" فأَحدهما جدّه إِسماعيل، والآخر أَبوه عبد الله؛ فإِن عبد المطلب نذر أَن يذبح ولدا إِن سهل الله - تعالى - له حفر بئر زمزم، أو بلغ بنوه عشرة، فلما حصل ذلك وأَسهم بين أولاده وخرج السهم على عبد الله فداه بمائة من الإبل، ولأن ذلك كان بمكة ولأَن بشارة إِسحق كانت مقرونة بولادة يعقوب منه وذلك في قوله - تعالى -: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ (١) فكيف يأْمره الله بذبحه وقد أَخبره بأَنه سيكون له منه يعقوب، وعن الأَصمعي قال: سأَلت أَبا عمرو بن العلاءِ عن الذبيح فقال: يا أَصمعي!!! أَين عزب عنك عقلك؟ ومتى كان إِسحق بمكة؟ وإنما كان إسماعيل، وهو الذي بنى البيت مع أَبيه.

ومما يقوى هذا الرأْي وينصره أن الله وصف إِسماعيل بالصبر دون أَخيه إسحق في قوله: ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ (٢) وهو صبره على الذبح.

ووصفه بصدق الوعد في قوله: ﴿إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ (٣) لأَنه وعد أَباه بالصبر على الذبح فوفّى به.


(١) من الآية ٧١ من سورة هود.
(٢) الآية ٨٥ من سورة الأنبياء.
(٣) من الآية ٥٤ من سورة مريم.