وذلَّلنا لداود الطير وسخَّرناها مجموعة من كل صنف ومكان ﴿كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾ أَي: كل واحد من الجبال والطير لأجل تسبيحه رجّاع إلى التسبيح، قال ابن عباس: كان داود إذا سبَّح جاوبته الجبال، واجتمعت إليه الطير فسبحت معه، فاجتماعها إليه: حشرها.
فالمعنى: وسخَّرنا الطير مجموعة إليه لتسبِّح الله معه، ويجوز أَن يكون الضمير في ﴿كُلٌّ لَهُ﴾ عائدا على الله - تعالى - لا على داود، والمعنى: كل من داود والجبال والطير: أَوّاب لله - تعالى -، أَي: مسبِّح مرجِّع للتسبيح.
وقوينا ملك داود بالهيبة، والنّصرة، وكثرة الجنود، ومزيد النِّعمة. قال ابن كثير: ذكر ابن جرير: عن عكرمة: عن ابن عباس ﵄: أن نَفَرين من بني إسرائيل استعدى أحدهما على الآخر إلى داود ﵇ أَنَّه اغتصبه بقرا، فأنكر الآخر، ولم يكن للمدعى بيِّنة، فأَرجأ أمرهما، فلما كان الليل أُمِر داود ﵇ في المنام بقتل المدَّعِي، فلما كان النهار طلبهما وأمر بقتل المدَّعِي، فقال: يا نبى الله علام تقتلني وقد اغتصبني هذا بقرى؟ فقال له: إنَّ الله - تعالى - أمرني بقتلك فأنا قاتلك لا محالة، فقال: والله يا نبى الله إن الله لم يأْمرك بقتلى لأجل هذا الذي ادعيت عليه، وإنَّى لصادق فما ادَّعيت، ولكنى كنت قد اغتلت أباه وقتلته ولم يشعر بذلك أحد، فأمر داود ﵇ بقتله فقُتِل، قال ابن عباس: فاشتدت هيبته في بني إسرائيل، وهو الذي يقول الله: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ﴾ ولقد ذكر هذا الخبر الزمخشرى والآلوسى. ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ﴾: النبوّة، أو كمال العلم وإتقان العمل، وتطلق الحكمة على إتقان الأُمور، وصاحبها حكيم ﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ أَي: الفصل في الخصومات وعلم القضاء، ورُوى عن علي والشَّعبى: أنه البيِّنة على من ادعى واليمين علي من أنكر، ورُوى عن أبي موسى الأشعرى أنه: أمَّا بعد، ويقول الآلوسي: والذي يترجح عندي أنَّ المراد بفصل الخطاب: علم القضاء