والهمزة الثانية في الآية هي الأولى كررت مع الجزاء لتوكيد معنى الإنكار. ثم وضع من في النار موضع ضميرهم لمزيد تشديد الإنكار والاستبعاد، والتنبيه على أن المحكوم عليه بالعذاب بمنزلة الواقع في النار، وقد جعل اجتهاده ﵊ في دعائهم إلى الإيمان وحرصه على إيمانهم - جعل - سعيا في إنقاذهم من النار، والآية تسلية للنبي ﷺ عن حزنه على كفرهم وإصرارهم عليه.
لما بيَّن - سبحانه - أن للكفار ظللا من النار فوقهم، ومن تحتهم، بيَّن أن للمتقين غرفا فوقها غرف؛ لأن الجنة درجات يعلو بعضها بعضا. ولفظ (لكن) الانتقال من قصة إلى قصة أخرى مخالفة للأولى وليست للاستدراك: ذكر ذلك القرطبي.
والمعنى: أن الذين اتقوا ربهم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وهم الذين خوطبوا بقوله تعالى: ﴿يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ ووصفوا بما عدد من الصفات الفاضلة، وبأن لهم درجات عالية في جنات النعيم، بمقابلة ما للكفرة من دركات سافلة في الجحيم، أي: لهم علالي بعضها فوق بعض مبنيات محكمات عاليات. وحسبك إشارة إلى رفعة شأْنها أن الله جل شأنه - بانيها، وماذا يقال في بناءٍ هو من صنع مبدع السموات والأرض دون غيره، تلك الغرف تجرى من تحتها الأنهار فتزيدها رونقا وبهاءً من غير تفاوت في العلو والسفل. وهي مهيأة ومعدة لهم، قد فرغ من أمرها كما هو ظاهر الوصف لا أنها تبنى يوم القيامة. وفي ذلك من تعظيم المتقين وعلو شأنهم ما فيه.
روى الإِمام أحمد بسنده: قال رسول الله ﷺ: "إنَّ في الجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أَعَدَّها لمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ وألانَ الكَلام، وصَلَّى والنَّاسُ نِيَام".
﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾ مصدر مؤكد لقوله تعالى: ﴿لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ … إلخ﴾ فإنه وعد وأي وعد ﴿لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ﴾ مع الفريقين لاستحالته عليه - سبحانه - لما في خلفه من النقص المستحيل عليه ﷿.