وذلك قوله تعالى: ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ أي: تلين ساكنة مطمئنة إلى ذكر رحمته - تعالى - وإنما لم يصرح بها لأنها أول ما يخطر بالبال عند ذكره - تعالى - لأصالته كما يرشد إليه خبر (سبقت رحمتى غضبي) وليس في الآية أكثر من نعت أوليائه باقشعرار الجلود من القرآن ثم سكونهم إلى ذكر رحمته ﷿ ولم ينعتهم الله بذهاب عقولهم والغشيان عليهم إنما هذا في أهل البدع وهو من الشيطان.
عن أسماءَ بنت أبي بكر الصديق ﵄ قالت:(كان أصحاب النبي ﷺ إذا قرئَ عليهم القرآن كما نعتهم الله تدمع أعينهم، وتقشعر جلودهم، قيل لها: فإن أناسا اليوم إذا قرئ القرآن عليهم خرَّ أحدهم مغشيا عليه، فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
وقال سعيد بن عبد الرحمن الجمحى: مر ابن عمر برجل من أهل القرآن ساقط، فقال: ما بال هذا؟ قالوا: إنه إذا قرئ عليه القرآن وسمع ذكر الله سقط. فقال ابن عمر: إنا لنخشى الله وما نسقط. ثم قال: إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم. وقال ابن سيرين: بيننا وبين هؤلاء الذين يصرعون عند قراءة القرآن أن يجعل أحدهم على حائط باسطا رجليه ثم يقرأ عليه القرآن كله فإن رمى بنفسه فهو صادق.
فهذه أخبار ناعية على بعض المتصوفة صعقتهم وضرب رءُوسهم بالأرض عند سماع القرآن.
﴿ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ أي: ذلك الكتاب الذي شرحت أحواله هو هدى الله الذي يهدى به من يشاء من عباده، الذين علم منهم اختيار الاهتداء بتأمُّلِه، والاتعاظ بما في تضاعيفه من شواهد الحقية، ودلائل كونه من عند الله - تعالى -.
﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ أي: ومن يخلق - سبحانه - فيه الضلال لإعراضه عما يرشده إلى الحق بسوء اختياره، فليس له من أحد يهديه إلى الحق ليخلصه من ورطة الضلال.