نفيًا أو إثباتًا، بأن نزهه - سبحانه - عمَّا يجب أن يضاف إليه، أو نسب إليه ما يجب تنزيهه ﷾ عنه ﴿وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾ بما ينالهم من الشدة التي تغير ألوانهم حقيقة، ويجوز أن يكون ذلك من باب المجاز لما يعلو وجوههم من الكآبة، ويلحقها من الهم والحزن، ويظهر عليها من آثار الجهل بالله ﷿ في هذا اليوم العصيب.
والظاهر أن الرؤية بصرية؛ لأن ذلك أبلغ في التشهير بهم وبيان قبح حالهم، والخطاب للرسول، أو لكل من تتأتى منه الرؤية ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ أي: أن في جهنم مقرًّا ومقامًا للمتكبرين الذين جاءتهم آيات الله فكذبوا بها واستكبروا عن قبولها، والانقياد لها.
أي: وينجي لله الذين جعلوا لهم وقاية من عذاب الله بالتوحيد وفعل الطاعات - ينجيهم - بمفازتهم من العذاب لاختيارهم الهدى على الضلال ﴿لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ﴾ أي: لا ينالهم من أذى جهنم شيءٌ، وهذا وما بعده بيان للمفازة ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أي: ولا يحزنهم الفزع الأكبر، بل هم آمنون من كل فزع، ناجون من كل شر، نائلون كل خير، أو المعنى: ولا هم يحزنون على ما فاتهم من متاع الدنيا أو ذهاب نعيم كانوا يؤملونه في الآخرة.
والمفازة مَفْعَلَةٌ من الفوز مصدر ميمي، أو اسم مكان من فاز به: ظفر، أو من فاز منه: نجا.
وعن النبي ﷺ في تفسير هذه الآية من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "يحشر الله مع كل امرئ عمله فيكون عمل المؤمن معه في أحسن صورة وأطيب ريح، فكلما كان رعب أو خوف قال له: لا تُرَعْ فما أنت بالمراد به، ولا أنت بالمعنى به، فإذا كثر ذلك عليه قال: فما أحسنك فمن أنت؟ فيقول: أما تعرفنى؟ أنا عملك الصالح حملتنى على ثقلي فوالله لأحملنك ولأدفعنَّ عنك فهي التي قال الله: ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ذكره القرطبي.