فتفتح ليدخلوها، فإذا دخلوها أغلقت عليهم ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾ أي: وقال لهم حراسها وزبانيتها الغلاظ الشداد على سبيل التقريع والتوبيخ والتنكيل: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾؟ سفراء عن الله من نوعكم تفهمون ما ينبئونكم به، ويسهل عليكم مراجعتهم والأخذ عنهم ﴿يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ﴾ أي: يقرءون عليكم آيات ربكم المنزلة لمصلحتكم في القرآن وغيره، ويقيمون عليكم الحجج والبراهين الدالة على صحة ما دعوكم إليه وأمروكم به ونهوكم عنه ﴿وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ ويخوفونكم ويحذرونكم لقاء عذاب يومكم هذا، وهو وقت دخولكم النار؛ لأن المنذر به في الحقيقة العذاب ووقته.
وقد شاع استعمال اليوم والأيام في أوقات الشدة والمحنة، وقيل: المراد يه يوم القيامة لاشتماله على هذا الوقت.
واستدل بالآية على أنه لا تكليف قبل الشرع؛ لأنهم وبّخوهم بكفرهم بعد تبليغ الرسل للشرائع وإنذارهم، ولو كان قبح الكفر معلومًا بالعقل دون الشرع لقيل: ألم تعلموا بما أودع الله فيكم من العقل قبح كفركم، ولا وجه لتفسير الرسل بالعقول لإباء الأفعال المسندة إليها عن ذلك.
ولمن قال بوجوب الإيمان عقلًا أن يقول: إنما وبخوهم بالكفر بعد التبليغ؛ لأنه أبعد عن الاعتذار وأحق بالتوبيخ والأنكار، ولأن معرفة الله تجب أولًا بالعقل، ثم يتلوها الإيمان برسله ﴿قَالُوا بَلَى﴾ أي: قال الكافرون مقرين معترفين: قد أتانا رسل ربنا، وتلوا علينا آيات ربنا وأنذرونا لقاء يومنا هذا ﴿وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ أي: وجبت وثبتت كلمة الله - تعالى - المقتضية للعذاب على الكافرين. وهذا الكلام منهم اعتراف لا اعتذار، والمراد بكلمة العذاب: كلام الله الذي حكم عليهم بالشقاوة، وأنهم من أهل النار لسوء اختيارهم، أو قوله تعالى لإبليس: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (١). ووضع الكافرين موضع ضميرهم للايماء إلى عِلِّيَّة استحقاقهم العذاب، والزُّمَر جمع زمرة وهي الجماعة كما تقدم في المفردات.