من يختاره من عباده الأكرمين، ليخوف الناس من يوم قيام الناس لرب العالمين، وتلاقيهم معه للحساب والجزاء، حتى يجتنبوا الموبقات، ويفعلوا المنجيات من الطاعات.
هذه الآية لزيادة توضيح المخاوف في يوم "التَّلاق" ولفظ "يوم" هنا بدل من ﴿يَوْمَ التَّلَاقِ﴾ في الآية السابقة، وقد بينت هذه الآية أن الخلائق يومئذ ظاهرون لله، فلا يخفى على الله منهم شيء مما عملوه في الدنيا، فقد أحاط بكل شيء علمًا، كما أنهم ظاهرون بعضهم لبعض، حيث زالت الجبال والتلال، واستوت الأرض فلا ترى فيها عوجًا ولا أمتا، ولا يوجد ملجأ يختفى فيه أحد عن الله أو عن غريمه.
وقد كان في الدنيا ملوك ملكهم الله على عباده، وجعل لهم الحكم في رعاياهم، وقد زال سلطانهم في الآخرة، وأصبحوا مسئولين كسائر رعاياهم، بل أشد منهم، فإن الملك يومئذ لله الواحد القهار.
وفي هذا اليوم العصيب يسأل من قتل الله: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ فيجاب من جهة الخلائق: ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾.
قال القرطبي نقلًا عن النحاس: وأصح ما قيل فيه، ما رواه أبو وائل عن ابن مسعود قال: يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة، لم يعص الله ﷿ عليها، فيؤمر منادٍ ينادى: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾؟ فيقول العباد مؤمنهم وكافرهم: ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ فيقول المؤمنون هذا الجواب سرورًا وتلذذًا، ويقوله الكافرون غمًّا وانقيادا، وخضوعًا"، ثم قال: والقول صحيح عن ابن مسعود، وليس هو مما يؤخذ بالقياس ولا بالتأويل.
والمعنى الإجمالي للآية مَعَ ما قبلها مما يرتبط بها: يلقى الله الوحى من أمره على من يختاره من عباده لتبليغ رسالته، لينذر يوم التلاقى، يوم جميع الناس ظاهرون لعلم الله، لا يغيب عنه شيء من أفعالهم وذواتهم وصفاتهم، ظاهرون بعضهم لبعض، أولهم وآخرهم لا يحجب بعضهم عن بعض حجاب، فقد سويت الأرض، وأزيل منها الجبال والهضاب، فلا ترى فيها عوجا ولا أمتا، وحينئذ يسأل الملائكة في هذا اليوم العصيب والمحشر الرهيب: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ فيجيب الخلائق مؤمنهم وكافرهم: ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار﴾.